محمد نبيل محمد يكتب : الاستثمار الثقافى والمصرى الجديد (15) .. الذات المؤمنة وغيرها الملحدة…
لما كان الهجوم ثلاثى الأبعاد، الذى اعتدنا على تسميته بالهجوم من ثلاث جبهات أو اتجاهات وهى: هجوم رئيس،
وثانٍ وهو الهجوم الثانوى، أما الهجوم الثالث فهو الهجوم الخداعى,
ودائمًا ما يخفى العدو اتجاه هجومه الأساسى خلف إحدى تلك التكتيكات الثلاث، فلا يكشف عن نواياه إلا بعد أن
يملك زمام المعركة, فيتحول هجومه الثانوى إلى رئيس أو الخداعى إلى رئيس, وبهذا يتشتت الدفاع ويسهل هزيمته,
وربما استخدم الآخر فى تخطيطه للهجوم على ثوابت الشخصية المصرية هذا الأمر,
فبعد أن اتضح له استحالة تحقيق نصر عسكرى، وبعد أن تجلى للجميع انعدام قدرتهم على إحداث تركيع اقتصادى؛
توجه لمعركة أخرى من ثلاثة أبعاد للهجوم, وهى: التشكيك فى النسق القيمى, ثم حلحلة المبادئ, وننتهى
بإبدالهما بالشذوذ والاغتراب والإلحاد, حتى تطمس الهوية الوطنية للشخصية المصرية،
فلا هى فجر للإخلاق كما اكتشف وفند المنصفون, ولا هى صاحبة المبادئ القيمية التى سطرها المصرى مع بدايات
التاريخ الإنسانى, ولا هى مؤمنة بالتعدد وقبول الآخر كما فى جزأى (مصر أصل الشجرة) تأليف سيمسون نايوفتس,
الذى ناقش فيه قبول المصريين لديانات بعضهم،
وهكذا قبول ديانات الآخرين, وبعد الحديث عن الاغتراب والشذوذ جاء الدور للحديث عن الإلحاد, وبعيدًا عن التفرقة
اللغوية بين الكفر الذى يعنى تغطية الشيء أو نكران أمر ما والجحود به, والشرك وهو يعنى إشراك الهدف من الأفعال
ونواياها لغير الله, والإلحاد هو الميل عن القصد وأنه حاد عن الصواب,
إلا أن السائد منذ منتصف القرن الماضى هى مفردة (الإلحاد)، وهى التى تبدأ بالتجرؤ على الذات المقدسة, من
خلال حوارات فلسفية جدلية لأصحاب آراء شاذة عن طبيعة الكون وقوانينه الحاكمة, وآخرون ممن هم ينتمون إلى
الأوساط الفكرية سواء أكانت ثقافية أدبية أم ثقافية فنية, ولا يُجرم أحد من هذا الحديث –جهلًا بالقصد منه– الفنون
والآداب أو يُكفر مَن يؤمنون بها ومَن يمارسونها ومَن يحبونها,
إنما البعض قد يتخذ من الفكر الفلسفى والثقافى معبرًا للتعدى والتجاوز، وهم فى غالب الأحيان ممن يتصفون
بكونهم من المُدعين المُضلين أنصاف أو أشباه المثقفين.
بداية من أبيقور اليونانى الذى يعد هو أول مَن تحدث عن مجادلة الشر وأطلق سؤاله عن الوجود الإلهى وقدرته, ومن
بعده كثيرون حتى أنطونى جيرارد الذى ألَّف ثلاثين كتابًا عن الإلحاد، إلا أن آخر مؤلفاته نسخ كل ما سبقها, ومن بعده
برتراند راسل الذى ضل طريقه فى متاهة الباطل قرابة مئة عام، هي تقريبًا مساحة عمره الزمنى, وغيرهم من
الأدباء والشعراء الذين كفروا بالوجود الإلهى وآمنوا بالعدم!.
ويسهل استخدام إنتاجات هؤلاء ليكونوا من أسهم العدو وضمن أسلحته المصوبة من داخل المجتمعات إلى
المستهدفين من الفئات المحرومة ثقافيًّا أو اقتصاديًّا أو سياسيًّا أو اجتماعيًّا, ليقضوا على الذات المؤمنة ويحولونها
إلى ذات ملحدة,
ومن خلال انتقاء الجمهور المستهدف بالتأثير عليه واستغلال أمراض اجتماعية وتشوهات أخلاقية، ونتحدث هنا عن
المستهدفين بالاغتراب والمستهدفين بالشذوذ،
وكلاهما يصلحان للتأثير عليهما بالابتعاد عن الدين أيًّا كان مسماه (مسيحيًّا أو إسلاميًّا)، أو اتباع مسميات ما أنزل الله
بها من سلطان مثل اختراع دين وضعى يلخص الأديان السماوية أو يختصر منها ويضيف عليها، ليكون الهدف فى
النهاية طمس الهوية الدينية المقدسة والتحول إلى الاعتقاد والاتباع إلى غيرها.
ومع عزل المستهدفين من أوساطهم الاجتماعية، ومع طمس وتشويه أخلاقهم المجتمعية والإنسانية؛ يسهل تشويه
المعتقد, ومن بعد نكران الوجود الإلهى, وهذا قمة المستهدف من جانب الآخر ضد شبابنا –أساس المستقبل-
فقد يسهل نكران الوجود الإلهى لهؤلاء الهاموش اللبلابيين الذين تواجدوا على أرض ليست أرضهم، ولا ينتمون
لجزيئاتها ولا تاريخهم الإنسانى يتشابه مع التاريخ الجيولوجى لأرضهم -المستحدثة-
وهؤلاء كُثر فى غرب الأرض ووسطها, ممن قتلوا السكان الأصليين واحتلوا أرضًا غير الأرض, وهم المطرودون منها
لأسباب عدة منها ما تحدث عنها مفكرنا الشهيد جمال حمدان فى كتبه عن الأنثروبولجى وغيرها, وهنا مع تعميم
الحديث عن ممارسات الاغتراب والشذوذ وأثرهما النفسى والمجتمعى فى خلق إنسان مشوه أخلاقيًّا وقيميًّا،
فيسهل جدًّا أن يتحول إلى مشوه عقائديًّا ويكفر أو يشرك أو يلحد هذا الشاب,
ولا أقصى من ذلك انتصارًا لهؤلاء الحاقدين الساعين لهزيمة الوطن، وهو أن يفقد الشباب انتماءهم للأرض والمجتمع
بالاغتراب النفسى والاجتماعى, وبممارسة سلوكيات شاذة تفقدهم القيم
والأخلاق, وإذا لم يكن للإنسان المُغترب أخلاق وقيم فيسهل على الآخرين اقتياده للكفر أو الشرك أو الإلحاد, وفى
نهاية الأمر هل نتصور أن هذا المسخ المؤمن بالعدم, هل من الممكن أن يؤمن بمَن حوله من أهله وبنى وطنه؟ أو
هل يؤمن بأرضه التى تحدثت عنها الأخلاق والمبادئ والقيم أن الأرض هى العرض؟ فأين له من معنى للشرف أو
للعرض؟ وأين له من الإيمان بالله؟ الذى يجعله مؤمنًا بذاته وأهله ومواطنيه وأرضه!
الآن السؤال الذى يجب أن يسأله كل منا لنفسه انطلاقًا من مسؤوليته, هو: أين دورنا تجاه أبنائنا؟ ومواجهتنا
للاغتراب والشذوذ والإلحاد, حتى ننتصر لهم وننتصر للمستقبل, وحتى نبنى -جميعًا- مصرى جديد يرتكن إلى أخلاق
الآباء والأجداد, ويتأسس على قيم المواطنة المتأصلة فى هذا المصرى الأول, وينشأ على المبادئ المصرية التى
حضرت الإنسانية وطورتها, وحتى نسدد دين الآباء تجاه الأبناء, كما فعل الأقدمون من آبائنا تجاهنا.