صابرين ..قصة قصيرة للأديب ممدوح حمودة
كزهرة تنطق بكل معاني الجمال وألوان السحر ، يفوح شذاها ليطوف بأرجاء هذا البيت العامر بالحب فيبتسم كل شيئ فيه ، هكذا تبدو صابرين ، هي طالبة طموحة تحب دراستها وتتفوق فيها ولهذا يحبها مدرسوها بالمدرسة ، تشارك دائما في الإذاعة المدرسية بتشجيع من نبع الحب الصافي هذا الوالد – الأستاذ كمال – الذي يعمل بوزارة الثقافة ، كذلك صابرين مولعة بحب القراءة خاصة القصص والروايات الأدبية لكبار الأدباء ،
وبالرغم من انشغالها في الثانوية العامة إلا أنها تقوم بكتابة القصص لكنها تخفيها عن أعين والديها الذين يحثانها دائما علي المذاكرة والتفوق لتحقيق حلمهما في الالتحاق بكلية الطب ،
في إحدى ساعات المذاكرة في حجرة الصالون لمعت في خاطرها فكرة ، جذبها الشوق لتسجيل احداث قصصية ، تراقص القلم أمام عينيها ، وكأنه طار شوقا ليحتضن يدها ، بدأت تكتب وفجاة تندفع إلى أذنيها نغمات قادمة من جرس الباب ، تمضي مسرعة لكن عقلها لا يزال هناك عند كراستها ، إنه الأستاذ عادل ، أحد أصدقاء والدها في العمل والذي حضر لزيارة والدها المريض . سلم عليها فرحبت به وفي حجرة الصالون جلس منتظرا صديقه بينما هي تركت الأوراق علي المكتب لتخبر والدها بحضور الضيف ،
ينظر عادل إلى الارض فيجد بعض الأوراق ، ينطر في بعضها فيقرأ قصة ادبية جميلة .
يدخل الأب ليقابل صديقه الذي حضر للاطمئنان عليه ، يساله هل بنتك تكتب القصص ؟
يقول الأب لا اعلم غير أنها في الثانوية العامة متفرغة لدروسها التي تمثل عبئا ماليا ضخما ،
تدخل الفتاة وتقدم واجب الضيافه للأستاذ عادل فيسألها : هل تحبين الكتابة في الأدب وخاصة القصص القصيرة ؟
ترد في خوف وخجل : نعم ، بينما عيناها تراقبان وجه أبيها وما يبدو عليه ، يشجعها قائلا : إن كتاباتك رائعة وجميلة ،
يشارك والدها في الحوار مبتسما : أصبحت كاتبه واديبة ولا أعرف ذلك ، ترد في خجل : كنت أخشى أن أخبرك حتي لا تقلق من مستقبلي في الثانوية العامة .
يقول له صديقه : شجعها ، ستكون أديبة وكاتبة جيدة إذا واصلت المسيرة . يأذن لها والدها بالانصراف طالبا مواصلة المذاكرة لأن الامتحانات اصبحت علي الابواب
تنفذ أوامر الوالد لكنها لا تغفل الكتابة الأدبية
يطل يوم الامتحان كزائر دون استئذان وكانت مادة اليوم الأول هي اللغة العربية ، تلك معشوقتها الدائمة ، وما إن رأت في البداية سؤال التعبير الذي يطلب كتابة قصة ، ولا تتصور ان أمسكت بقلمها وجلست تمارس هوايتها ، حتي انقضى وقت الامتحان دون استكمال إجابات بقية الأسئلة ، لذلك لم تكن النتيجة في صالحها فرسبت هذا العام نظرا لشغفها بالكتابة الأدبية ، وهذا ما كان يحذر منه الأب بصفة مستمرة .
لم تندم صابرين لكنها تسلحت بالأمل في التفوق ، كان ذلك درسا دفعها للقيام باداء واجبها دون تأخير واستمرت في مذاكرتها وممارسة هوايتها ،
نجحت بتفوق بعد ذلك وحصلت علي أعلى الدرجات ، ابتسم لها القدر وأوصلها إلى كلية الطب وتحقق أمل والديها فجاءت السعادة تعزف وتغني أعذب الألحان .
استمرت بعد ذلك في كتابة القصة ، كانت تقرأ لأعلام مثل يوسف ادريس وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ والعقاد وطه حسين وتأثرت بهم وبأسلوبهم الأدبي ،
ذات يوم ، أعلنت وزارة الثقافة عن مسابقة للقصة وأن الفائز بها سيحصل علي جائزة مالية قيمة وسينشر عمله في الجرائد والمجلات ، تقدمت بنفس القصة التي استغرقت وقت الإجابة في الثانوية العامة ، لعلها تكون ذات شأن أدبي بهذه القصة والتي اثني عليها كل من قرأها ، كانت عيناها تتجهان نحو الجائزة التي رصدتها وزارة الثقافة ، وانتظرت النتيجة لكنها جاءت مخيبة للآمال حيث فازت قصة أخري كانت أقل منها إبداعا ولكن المحاباة والمجاملة لعبتا دورا كبيرا ،
ورغم ذلك لم تفقد الأمل خاصة وهي التي قرأت عن صبر ومثابرة ورحلة نجاح رموز الأدب مثل نجيب محفوظ حينما كتب أول رواية له بعنوان ( عبث الاقدار ) والتي أرسلها لإحدي دور النشر علي أمل الحصول على حقه المالي لكن دار النشر اعتذرت لنجيب محفوظ عن تلبية رغبته المالية واكتفت باعطائه مقابل ذلك عدد خمسمائة نسخه يبيعها أينما أراد ، أخذها نجيب محفوظ لإحدى المكتبات لعلها تشتريها
لكن المكتبه اعتذرت لأن صاحب الرواية ليس مشهورا ،
ولم يدر بخلدهم ان نجيب محفوظ سيكون من أشهر كتاب الرواية في العالم وانه سيحصل علي جائزة نوبل في الأدب ، فكان نجيب محفوظ يأتي إلى المكتبة كل يومين لياخذ سبعة او ثمانية قروش من أرباح البيع .
وما حدث مع نجيب محفوظ جعل صابرين تواصل الصبر ويكون الأمل حليفها فيما بعد
وكما رسبت في امتحان الثانوية العامة أول مرة وفي المرة الثانية حصلت علي التفوق ودخلت أعلى الكليات كلية الطب . كذلك لم يخب أملها في أن تكون أديبة وكاتبة كبيرة في المستقبل ، وتؤمن دائما ان الكاتب يمر بظروف صعبة قد تدفعه دائما وتشجعه علي العمل وإتقانه ليصل لمبتغاه مهما وقفت امامه الصعاب كالجبال .