الدكتور هيثم الطواجني يكتب : آليات مواجهة العدو ( 1-4 )
العدو هو مصطلح نسبي يستخدمه البشر منذ بدء الخليقة ويصف به الإنسان كل ما يهدد أمنه واستقراره بشكل عام
وعلى كافة المستويات، ومن هذا المنطلق فإن كل ما يمثل لنا خطراً أو تهديد فهو عدو، ويكمن أن نعمم هذا المفهوم
ليصبح أكثر إجمالاً ليشمل كل مناحي الحياة، وليس من الضروري أن كل ما نختلف معه يصبح بمثابة العدو، ولكن
الأصوب أن نبحث عن أسباب وطبيعة وماهية العدو قبل ان نصنفه كعدو، فليس كل مختلف عدو والصحيح أن كل عدو
هو مختلف معنا بشكل أو أخر، ولهذا يجب أن نحدد ونحلل بدقة أسباب نشأة العداوة قبل التصنيف، ولأننا نعيش في
كون سنته الأولى هي التغيير، بالتالي فهناك تصنيف وضعه بيير كونيسا (Pierre Conesa) في كتابه صنع العدو وهو
باحث وأكاديمي ودبلوماسي فرنسي تعرض فيه لأنواع مختلفة من حالات العداء مع الإشارة إلى عدم وجود نوعٍ نقي
من بينها، إذ غالباً ما تختلط الأنواع المختلفة في صراع واحد كالآتي:
– العدو القريب والمقصود به نزاعات الحدود بين الدول المتجاورة (الحروب الهندية – الباكستانية).
– الخصم العالمي وهو المنافس في خصومة قوتين تعطيان لنفسيهما نزعة عالمية، (الحرب الباردة).
– العدو الحميم أي الحرب الأهلية التي تبدأ عبر الكلمات وتنتهي بالقتل الاستباقي: أنْ نقتُلَ قبل أنْ نُقتَل والحرب
الأهلية هي صراع الـ “هُم” في مواجهة الـ “نحن” في فضاء مغلق، مع العلم أن الفريقين متشابهين.
– العدو البربريّ وهو الشعب المستعمَر في نظر المستعمِر.
– العدو المحجوب وهو ناتج عن الإيمان بنظرية المؤامرة والاعتقاد بوجود قوى خفيّة تحرّك الشعوب وتحدّد مصيرها.
– حرب الخير ضد الشر وهي لا تقتصر على النزاعات الدينية؛ إذ هي أيضاً حرب الأنظمة الشمولية العلمانية في القرن
العشرين فالأيديولوجيات قاتلة مثل الديانات، ويصبح فيها الآخر هو الشرّ المطلق، بل هو الشيطان.
– العدو الـمُتصَوَّر وهو فعل إمبريالي للقوى العظمى حين لا تجد عدوًّا يُجاريها، فتُعلن الحرب الشاملة ضدّ مفاهيم
معينة [الحرب ضد (انتشار أسلحة الدمار الشامل – الإرهاب)].
– العدو الإعلامي وهو يشكّل الحالة الأحدث في الفراغ الأيديولوجي والاستراتيجي لما بعد الحرب الباردة، والتي
يجتاحها الإعلام، إذ تتفوّق الصورة على النصّ.
ولا يمكن أن يكون الخيار الأول للدول والكيانات هو اللجوء للصراع المسلح، أو استخدام القوة المسلحة (الصلبة)
لمجابهة العدو “أياً ما كان نوعه”، إذ أنه من المستحيل أن تعيش تلك الدول للأبد داخل إطار الصراعات المسلحة وذلك
لأسباب عديدة أهمها على الإطلاق التكلفة الباهظة جداً (مادية – بشرية) ولذا كان لزاماً على الدول ممثلة في نُخبها
أن تُفكر في آليات أخرى لمجابهة أعدائها أو على الأقل تحييدهم.