محمد نبيل محمد يكتب : ثقافة الدعاية ودعاية الثقافة ٣/١

محمد نبيل محمد

منذ ان تتلمذت على يد الرعيل الأول من علماء الإعلام فى الوطن العربى ومنهم العلامة الاستاذ الدكتور خليل صابات الذى رحل جسدا وظل بعلمه يحيا فى عقول طلابه، والعناوين عديدة ومتنوعة إانما كان أهمها على الإطلاق مؤلفه الرصين “نشأة وسائل الإتصال” الذى حدثنا وغيره من أدبيات الإعلام عن تشعبات عدة منها الإعلام التقليدى أو الكلاسيكى والذى يتضمن المقروء من خلال المؤلفات من الكتب والموسوعات والمطبوعات كالدوريات من الصحف كالجرائد والمجلات الأسبوعية والشهرية والفصلية والنصف سنوية، وأيضا الإعلام المسموع عبر الأثير الإذاعى، وكذلك الإعلام المرئى ـ المسموع كما هو الحال مع الفضائيات ودور العرض السينمائى والمسرحى، واستحدث كثمار لثورة المعلومات التى نظر لها توفلر ومع تصاعد وكثافة المعلومات بمتواليات هندسية ما عجل من تعاقب أجيال هذه الثورة بتردد متسارع ما من شأنه انتاج الاعلام الرقمى بمنصاته المتباينة والمتنوعة.

وتشعب الإعلام لوظيفة تالية وهى الإعلان، التى تبلورت أهدافه وآلياته بشكل شبه منفرد عن الإعلام الذى صار كشجرة الموز الأم بالنسبة لمفهوم الإعلان الذى اعتمد هو الآخر إلى حد كبير على ذات الآليات الإعلامية وزاد عليها آليات ووسائل أكثر أبتكارا كتلك التى تسمى إعلانات الأوت ـ الإن دور ،

واستفاد من تطبيقات الرقمنة ربما بمستويات نجاح تفوق الشجرة الأم (الإعلام) وخرجت من جعبة النظريات الإعلانية مفهوم جديد تسمى (الدعاية) وبدورها استغلت النجاحات السابقة لكلا من الاعلان ومن قبله الاعلام، وزادت هى الأخرى من أهدافها وأيضا زادت وتنوعت آلياتها،

حتى انتجت الأطر التنظيرية لعلم الدعاية، ومفهومه الأوسع من مجرد إتباع طرائقه فى الترويج للمنتجات الإقتصادية التى تلبى احتياجات مادية مباشرة للمتلقى، وطالت تلك السبل الخدمات العلاجية والسياحية والثقافية وغيرها، كما تجاوزت مفهوم العايتين السابقتين لاثارة الاهتمام ولفت الانتباه بهدف اتباع سلوكيات استهلاكية لتلبية الحاجات والغرائز من خلال الاقبال على المنتجات للمنتجات،

والثانية كانت فى تحقيق الاشباع واسكات الحاح الرغبات المختلفة من خلال الاقبال على تلقى الخدمات الانسانية،

الى حد استخدام الدعاية للترويج للأفكار ومن هنا كان البدء فى الدعايات الانتخابية السياسية والمحلية والعمالية

وغيرها،

فضلا عن الدعاية لنشر الأفكار وابداعات العقل البشرى بغية اعتناق هذه الأفكار عقائدية كانت أو ايدولوجية، أو حتى

كانت أفكار لتغير أنماط الحياة الأسرية أو الاجتماعية بمفهومها الأوسع ، وكذلك أفكار تغير من أنماط المعاملات

الانسانية المختلفة مع التكنولوجيا أو عصر الحداثة وما بعد الحداثة.

ولعل اولويات العمل الدعائى خارج سياق الترويج للمنتجات كانت أعمال جوزيف جوبلز إبان الحرب العالمية الثانية

(1939 ـ 1946)عندما استخدم آليات الدعاية فى التأثير على العقيدة القتالية لجنود الحلفاء من خلال القاء المنشورات

عبر بالونات أو من الطائرات

وكذلك بث محطات اذاعية ليس بلغات الجنود فى ميادين قتالهم ـ فقط ـ إنما أيضا بلكنات تماثل لكنة ولهجة الاعراق

المختلفة داخل الدولة الواحدة، وكانت تستهدف الداعية للانسحاب وترك السلاح بأصوات تشبه مشاهير قادتهم

بهدف التأثير على الروح المعنوية للجنود وتحقيق هزيمة جنود الحلفاء قبل لقاء قوات المحور الالمان والأيطاليين.

إلى ان تطورت آليات القتال والحرب الدعائية لتستغنى بشكل نهائى عن دور المساعد فى العمل العسكرى العدائى

وتتحول لحرب رئيسية تستهدف السيطرة على الشعوب العادية او المستهدفة من خلال الدعاية الهجومية التى

تحدث عنها هربرت شيلر فى كتابيه “المتلاعبون بالعقول” و” الهيمنة الثقافية” فى مطلع الستينيات من القرن الفائت.

وظلت الأبحاث الميدانية تطبق وتجرب على الشعوب المفعول بها حتى تطورت الدعاية إلى المدى الذى جعل من

يمتلك اسبابها فى مصاف الدول العظمى الحاكمة فى الفعل العالمى، وتحولت الدعاية من اتجاهاتها السلمية التى

بدأت منها إلى الأغراض الاستعمارية ـ وان كنت ارفض هذا الاصطلاح المخالف لحقيقة الاحتلال فهم لم يعمروا بل

استنزفوا القدرات وقتلوا الانسانية ـ

وظهرت نظريات جوزيف ناى المساعد الاول للرئيس بل كلينتون ومستشاره الأمنى والذى قدم كتابه “القوة الناعمة ـ

وسيلة النجاح فى السياسة الدولية” ثم مؤلفه ” القوة الذكية” الذى يتحدث بضرورة وجود تكامل بين قوى الدولة الى

جوار القوة العسكرية،

وتلاه بول كينيدى فى مؤلفه “صعود وسقوط القوى العظمى” الذى أجرى دراسة زمانية لخمسة عقود منذ 1500

وحتى 2000 ميلادية عن الدول الكبرى كالصين واليابان والاتحاد السوفيتى والاسبان والبرتغال وبريطانيا وفرنسا ثم

السوق الاوربية والولايات المتحدة واثرالقوة الاقتصادية والعسكرية فى الاستمرار أو الانهيار، وترجم الكتاب الى (23)

لغة وبيعت منه (مليون) نسخة منذ صدوره فى 1987

(وللحديث بقية ان شاء الله).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.