إبراهيم نصر يكتب: إلا المواريث يا دكتور سعد “1”
الدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف يفاجئنا بين الحين والآخر بإثارة بعض القضايا الخلافية التى تحتمل أن يكون فيها أكثر من رأى، أو هى محل خلاف بين فقهاء الأمة، وقد يتبنى رأيا غريبا أو شاذا فى مسألة ما، بدعوى أن عالم الدين عليه أن يعرض كل الآراء، وعلى كل إنسان أن يختار من الآراء ما يناسبه بعد استفتاء قلبه. وفى هذا السياق يزعم الدكتور الهلالى أن كل إنسان سيد ولا ينبغى لأى عالم أن يختار له رأيا من الآراء،
بل يود لو أن كل إنسان اجتهد فى فهم النصوص وحده دون الرجوع للعلماء، وهو بذلك ينسف الآيات الكريمة التى تحث على طلب العلم الشرعى، وتوضح أن أشرف العلوم هى علوم الدين، وتؤكد أن العلم الدينى ينفر إلى طلبه بعض المسلمين وليس جميعهم، ويتفقهوا فيه حتى إذا تمكنوا منه جلسوا للفتوى وتعليم غيرهم
ممن تخصصوا فى العلوم الأخرى التى يحتاجها الناس لتستقيم لهم الحياة، كالطب والهندسة والصيدلة والعلوم والتجارة وغيرها من التخصصات التى هى فرض كفاية إذا لم يقم بها نفر من المجتمع يأثم الجميع، شأنها شأن علوم الدين سواء بسواء.
وما كنت أتصور أن تبلغ جرأة الدكتور سعد الهلالى إلى درجة الخوض فى مسألة من مسائل المواريث الواردة فى الآية الحادية عشرة
من سورة النساء: ” يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ..”، ويحاول أن يخرجها من كونها آية محكمة لا تحتاج إلى تأويل،
ويخضعها لاجتهاده هو ولا أقول لاجتهاد العلماء، فيرى أنه لا مانع من المساواة فى ميراث الذكر والأنثى إذا حدث التراضى بينهما.
قضية حسمها القرآن الكريم
عن أى تراض تتحدث يا فضيلة الدكتور فى قضية حسمها القرآن الكريم، وليس فيها خلاف بين علماء الأمة العدول الثقات من لدن سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أن جاء بعض علماء آخر الزمان، ورأو أنه لا مانع من مساواة الذكر بالأنثى فى المواريث، ولا مانع من حظر تعدد الزوجات وتجريمه قانونا،
وليس ذلك منا ببعيد، ولعل الدكتور الهلالى يسير فى هذا الاتجاه المرفوض جملة وتفصيلا، وقد أنكر الأزهر الشريف ذلك
حين قررت دولة شقيقة تطبيق ذلك.
إن محاولة التعديل في أنصبة المواريث الإسلامية أمر شديد الخطورة، لأنها تمس جوانب شرعية منصوص عليها في القرآن الكريم
خاصة في سورتي النساء والبقرة، وهي واضحة ولا مجال للاجتهاد أو التعديل فيها لأنها تشريع إلهي.
وأي محاولة لتعديلها تعني معارضة لأوامر الله، وهذا يعتبر خروجا عن الشرع الإسلامي الحنيف، الذى وضع نظام المواريث
لضمان العدالة الاجتماعية وتحقيق التوازن داخل الأسرة.
تفكيك الروابط الأسرية وتفاقم النزاعات العائلية
وتغيير هذه الأنصبة يمكن أن يؤدي إلى تفكيك الروابط الأسرية وتفاقم النزاعات العائلية، مما يضعف النسيج الاجتماعي.
وفى الوقت نفسه يمكن أن يعتبر سابقة تشجع على تعديل تشريعات أخرى، مما يفتح الباب أمام استبعاد أو تحريف الأحكام الشرعية الأخرى.
وهذا قد يؤدي إلى ضعف الالتزام بالدين وتشويش المبادئ الإسلامية. وأى محاولة لتغيير الأنصبة الشرعية فى المواريث
سوف يثير جدلا فقهيا بين العلماء والمؤسسات الدينية، وقد يؤدي إلى اختلافات حادة في المجتمعات الإسلامية،
مما يزيد وحدة الأمة الإسلامية ضعفا على ضعف. والتلاعب بهذه الأنصبة الشرعية يعتبر تعديا على حدود الله،
وقد يكون له عواقب دينية وأخروية وخيمة، حيث وردت نصوص فى القرآن والسنة تحذر من مخالفة أحكام الله في المواريث،
ودعوى التراضى بين الذكر والأنثى على المساواة دعوى باطلة، وهذا ما سنوضحه إن شاء الله تعالى فى المقال القادم.
Ibrahim.nssr@gmail.com