عبد الناصر البنا يكتب : النصر للسيارات .. وعودة الحلم ..
” أن تأتي متأخرا .. خير من أن لا تأتي أبدا ” هذا المثل ينطبق على واحد من أجمل الأخبار التى ترددت هذا الأسبوع فى جو العتمة الذى أصبحنا نعيش فيه ، وهو عودة شركة النصر لصناعة السيارات بقوة لتعاود الإنتاج من جديد بعد مايقرب من الـ 65 عاما من تأسيسها عام 1959 ، ومايقرب من الـ 15 عاما منذ أن أعلنت الحكومة المصرية قرار تصفيتها عام 2009 ، بسبب خسائرها التى بلفت 165 مليون جنيه ، والمديونيات التى وصلت إلى 2 مليار جنيه ، والسبب المنافسة الشرسة وغير المتكافئة بينها وبين الشركات العالمية التى دخلت السوق المصرية في مطلع التسعينيات ، مثل ” سوزوكي وبيجو وهيونداي ” التى أغرقت السوق المصرى بموديلاتها الحديثة .
شركة النصر لصناعة السيارات ” حكاية لها تاريخ ” حكاية تعود إلى نهاية خمسينات القرن الماضى فى عهد الرئيس
جمال عبدالناصر ، وقتها كان التفكير فى تنفيذ مشروعات قومية كبرى ، هدفها عمل نهضة صناعية تنهض بالاقتصاد
المصرى ، علشان يقب على وش الدنيا ، إلى جانب ” توطين الصناعة ” فى مصر وتحويلها من دولة زراعية إلى دولة
صناعية ،
هذا المشروع الطموح تبنته الحكومة المصرية ، وأطلقت عليه وقتها ( من الإبرة إلى الصاروخ ) ، أو مشروع الـ 1000
مصنع ، دا غير شوية تحابيش تانيه كانت ومازلت محل خلاف وإتفاق ، زى بناء السد العالى ، وتأميم قناة السويس ،
وإصدار قانون الإصلاح الزراعى ، وزيادة مساحة الرقعة الزراعية بنسبة 15% .. إلخ
أما حلم شركة النصر للسيارات تحديدا ، بدأ يتحول إلى واقع عندما صدر فى سنه 1957 قرار وزاري بتشكيل لجنة
تضم وزارتي ( الحربية ــ والصناعة ) لدراسة وإنشاء شركة ومصنع لإنتاج الشاحنات والحافلات في مصر ،
وقتها تم دعوة عدد من الشركات العالمية للمشاركة في تأسيس الشركة . وحتى لا أطيل بالفعل سنه 1959
إتأسست شركة النصر لصناعة السيارات ، وكانت الحكومة تهدف لتجميع السيارات في البداية وبعدها تنتقل إلى
مرحلة التصنيع الكامل ، لكن إرادة ربنا كانت الغالبه ، وبقت الشركة تعمل من خلال عملية التجميع فقط .
وفى سنه 1960 بدأت خطوط التجميع تنتتج الشاحنات والمقطورات والجرارات الزراعية والأتوبيسات وتوالت عقود
مشروعات تصنيع سيارات الركوب مع شركة “NSU” الألمانية ، وشركة فيات الإيطالية ، والجرارات الزراعية مع شركة
“IMR” اليوغسلافية ، والمقطورات مع شركة «بلاوهيرد» الألمانية ،
ووقتها صدرنا أتوبيسات لدولة الكويت ؛ وحققت الشركه مكانة عالية فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بوصفها من
الشركات القلائل فى المنطقة التى تنتج السيارات ، وفي شهر مايو من العام نفسه عام 1960 م أصدر الرئيس جمال
عبدالناصر قراره بتأميم الشركة علشان تبقى مملوكة للدولة المصرية .
فى الوقت دا وسعت الشركة من نشاطها وبدأت تنتج سيارات الركوب ، طبعا سبقتها محاولة لإنتاج وإن شئت قل
تجميع أول سيارة مصرية إسمها ” رمسيس ” ودى كان ليها حكاية طويله لايسع المقام لذكرها ، وكل إللى تم إنتاجه
منها 1700 عربية بمتوسط 350 عربية فى السنة وكان سعرها بحدود 400 جنيه ،
وفى هذا الوقت وتحديدا سنه 1961 دخلت شركة النصر للسيارات المنافسة بإستثمارات ضخمة مع شركة فيات
الإيطالية علشان تتكتب نهاية رمسيس وتبدأ الشركة تصنع نصر/ الفيات ، وطبعا كان الفرق واضح ونزلت الموديل نصر
1100 بسعر 700 جنيه ، وبعدها نصر 1300 والنصر 1600 .
واستمرت الشركة في تصنيع سيارات الركوب نصر بمختلف فئاتها وأنواعها ومنها السيارة نصر ( 125 –126 –127–
128 ــ 131 – 132 –133 ) والنصر فيورا ــ والريجاتا ــ والتمبرا ــ والبولونيز ــ والسيارة نصر شاهين SL 1600 قدرة 96
حصان – ونصر شاهين S 1400 قدرة 78 حصان – بالتعاون مع شركة توفاش التركية – ونصر فلوريدا 1400 قدرة 71
حصان – ونصر فلوريدا 1400بالتكييف قدرة 71 حصان بالتعاون مع شركة زاستافا اليوغسلافية .
وأعتقد أن مفيش حد فى الشعب المصرى مالوش ذكرى أو حكاية مع واحدة من العربيات دى وخاصة العربية نصر 128
، الـ 128 تحديدا حازت على ثقة المصريين ، وكانت العربية الأكثر مبيعًا في السوق المصرية ، ويمكن لغايه النهارده
بتنافس أفخم العربيات فى شوارع المحروسة !!
وطبعا المثل بيقول ” ولا أول مالوش آخر ” إتدهورت أحوال الشركة ، وتم تصفيتها ، والنهارده التاريخ بيعيد نفسه خاصة
بعد ما أطلقت القيادة السياسية مبادرة فى رأيى المتواضع أنها ” إتأخرت أوى ” لكنها على أى حال جاءت وهى
مبادرة ” دعم وتوطين الصناعات الوطنية ” ، وتقرر وزارة قطاع الأعمال العام إحياء شركة ( النصر للسيارات ) ، لتعود
من جديد كما كانت قلعة للصناعة المصرية ، وكيانا متخصصا في إنتاج وتصنيع السيارات الكهربائية ، وفقا لأحدث النظم
والمواصفات القياسية العالمية ، وبأيدى وعمالة مصرية 100 % ، ويعود الحلم من جديد فى إعادة وإحياء توطين
صناعة السيارات المصرية ، والصناعات المغذية .
واليوم يشهد رئيس الوزراء توقيع بروتوكولات تعاون بين الشركة وكبريات الشركات العالمية فى تصنيع السيارات
والصناعات المغذية لها لإنتاج أتوبيسات ومينى باصات كهربائية بمكون محلى يبلغ 60 % على أمل أن يصل إلى 70
% واكثر لتكون هذه هى الخطوة التى من شأنها أن تعطي فرصة واعدة للنفاذ بمنتجات الشركة من الأتوبيسات
الكهربائية إلى الأسواق المحلية والعربيه والعالمية ،
وعلى رأسها الأسواق الإفريقية ، تليها خطوة هامة مع إحدى الشركات الصينية لتصنيع سيارات الركوب الكهربائية
بأيدى وعمالة مصرية لتضع مصر قدمها جنبا إلى جنب مع كبريات الشركات العالمية التى تصنع السيارات الكهربائيه ،
ويبقى الحلم طالما كانت هناك ” إرادة سياسية ” .. تحيا مصر !!