(المنظر قاعة فى قصر ” بن زيرى” حاكم تونس على عرشه الذهبى وبجواره يقف كبير الحرس ويجلس الزناتى خليفة والأمير علام….)
بن زيرى خلفه حارسان والجنود يصطفون بالقاعة .. والجو يعطى إحساساً بالسلطة والبذخ والترف)
بن زيرى: أهلا بأبى سعدة ..الزناتى خليفة
فارس أبناء زناتة
شرفت “أشير”
الزناتى خليفة: ” أشير عاصمة الملكٌ
قد شرفت بك يا مولاى أمير بنى زيرى
جئتك كى تضع الحدً للهيب الحرب المحتد…
بين قبيلتنا وقبيلتكم.. كى نوقف نهر الدم…
فلقد ضربتم أرض زناتة…
والآن يهددنا ويهددكم من يدعى بأبى زيد سلامة
بن زيرى: أبو زيد.. علينا أن نسحق هجمته الشرسة..
فلتمدد سيفك مع سيفى ضده..
فهم العرب ونحن البربر.. ولنا النصر.
بن زيرى (يوجه كلامه لرئيس الحرس)
والآن أدخلوا الوفود …
الآتين من الفردوس المفقود…
(يدخل الرسول الأول وينحنى مرارا)
الرسول الأندلسى: مولاى قد أرسلنى عبد الملك بن جهور إليك..
كى أحكى لك ..مأساته..
فالمعتمد نفاه من قرطبة..
ضم إمارتها له..
حين أستنجد به..
لما هاجمه ” بن ذى النون”
بن زيرى: الخائن حقا هو ” بن ذى النون”
” أمير طليطلة..”
فلقد بدأ الهجمة كى يغزو قرطبة .. يحميه ويؤازره ألفونس.
الزناتى: ” بن ذى النون” عميل الإفرنج المأفون.
الرسول: قد سطر مع الفونس.. أسود ورقة..
فى تاريخ الأمة.
الأمير علام: وما هيه؟
الرسول: معاهدة السلام
الزناتى: أسلام بين الذئب وبين الأغنام
أسلام بين الجزار وبين الانعام
ذاك استسلام..
الرسول: كل أمير من أمراء طوائفنا .. يدفع أموال الجزية للكفار…
الأمير علام: يا للعار .. هذا زمان الإنكسار..
فتن وخيانات وحروب دون بطولات..
عرب.. بربر .. شيعة .. وخوارج .. آلاف النزعات..
بن زيرى: والأمراء هناك الآن.. ماذا يفعلون .. خبرنا .. خبرنا .. فالحديث شجون.
الرسول: يتفرجون .. يتناحرون .. لاهون..
يصطادون الغزلان.. فى الصحراء ..
فإذا عادوا لقصورهم الشماء .. فالخمر ورقص وغناء ونساء…
وتضيع الأندلس .. النجدة .. النجدة.. فإذا لم تأتوا فستغرق فى بحر يغرقكم موجه .. يوما
ما ستجى جيوش الإفرنج أليكم وتدوس مساجدكم .. وتريق دماكم .. فوق أسرتكم.
(لحظة صمت)
بن زيرى: يا الله .. ذبحوا أبناء الإسلام البررة..
فى أرجاء طليطلة.
الزناتى: لكنا لا ندرى .. أين المذبحة القادمة تكون..
فالسكين الإفرنجية .. لا تعرف فرقا ما بين الشاة العربية والشاة الأندلسية..
وشياه البربر..وشياه الشيعة.
بن زيرى: والكل غائبون .. ملوك الطوائف ..ونحن نحسبهم سكارى .. وما هم بسكارى.
الأمير علام: ” يا حسرة على العباد” .. ” بأسهم بينهم شديد ” .. ” تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى”
بن زيرى: ” خشب مسندة” .. ” أعجاز نخل خاوية” .
ماتوا بالسكين الأفرنجية فى يد ” الفونس”.
الأمير علام: تبت يده…
بن زيرى: بل تبت أيدينا المشلولة..
فلقد حاربنا بالسيف وحاربناه بالكلمات.
الأمير علام: أتعرف يا مولاى.. كيف كانت البداية
بن زيرى: ماذا تراك تعنى؟
الأمير علام: بداية المأساة .. بداية النهاية.
بن زيرى: أغلب ظنى .. بداية المأساة فى أعماقنا المهدمة.
الأمير علام: أجل يا سيدى.. فحينما تبدت الخيانة..
وباع أبو القاسم المليح غرناطة .. تساقطت بلادنا المنكوبة.
بن زيرى: أجل .. هى الخيانة .. كأنها قد اصبحت هى الهوية..
هى الجواز للسفر.. فى رحلة الحياة..
حياتنا الدنية..
أين الوفاء.. هل اختفى كالغول كالعنقاء.
الأمير علام: والآن يا مولاى .. فلنشعل حرب الاسترداد.. فلم يعد أمامنا سوى الجهاد.
بن زيرى: لنمضى إليهم سويا غدا.
الأمير علام: بل اليوم كيما تطهر أرض الهدى..
” فليسوا بغير صليل السيوف يجيبون صوتا لنا أو صدى”.
بن زيرى: (يخاطب كبير الحراس)
إجمع الجند .. لنجدة المعتمد..
ولنضرب ضربة رجل واحد..
لنبيد جيوش الإفرنج .
كبير الحرس: يا أيها الجنود .. تقدموا ..يا أيها الأسود
ولترفعوا السيوف والبنود.
(فجأة يدخل عليهم أبو زيد وجنوده رافعين السيوف فينهضون أيضا رافعين سيوفهم)
الزناتى: من خرب تونس حتى صارت مقبرة..
ولقد كانت جنة؟
الجنود: ذاك أبو زيد سلامة…. ذاك أبو زيد سلامة…
الزناتى: خليفة: من شيد بجماجمنا السلم..
كى يصعد قمة مجده؟ .. نصر فردى.. وهزيمة أمة
الجنود: ذاك أبو زيد سلامة … ذاك أبو زيد سلامة…
بن زيرى: من أرسلك الينا؟
أبو زيد: أرسلنى حكام بلادى … ليعيدوا الوحدة الإسلامية
بن زيرى: جئت لتبعث أوهاما مدفونة… فى تاريخ الأمة .. المتمزقة المسكينة.
الأمير علام: واأسفاه .. أمتنا.. صار الموت لها غاية والتدمير وسيلتنا.
الزناتى: وأقمنا لإله الحرب التمثال .. وعبدناه مثل الرومان
وعلى مذبحه قدمنا .. جثث العرب له القربان.
الأمير علام: اسمعها كلمة .. غزوتك لتونس..
نصر لك وحدك .. وهزيمة .. لجميع الأمة.
أبو زيد: كيف؟
الأمير علام: ليس عدوك تونس .. لكن عدوك الفونس
فأستيقظ من تلك الغفلة .. فلقد سقطت أٍسوار طليطلة وغدا تسقط قرطبة واشبيلية..
ويضيع إلى الأبد الفردوس المفقود .. ونضيع جميعا ونباد.
(يتوجه للجمهور) انتبهوا يا سادة .. فالحرب الآن..
حرب إبادة … انتبهوا يا سادة .. فسفينتنا واحدة والشاطئ واحد ..
والبحر الهائج واحد.. البحر الغادر واحد.
أبو زيد: أنا لا أفهم ما تعنيه.
الأمير علام: كنا سنقود الجيش .. وأعددنا العدة
كى نعبر للأندلس.. ونكشف عنها الغمة..
لكنك جئت إلينا وشغلت الأمة
بمعارك وبطولات وهمية
ولذا ستضيع الأندلس..
بن زيرى: الأندلس هى الجرح .. جرح الأمة.. فأمدد سيفك
حرك جيشك .. كى ننقذها .. ولتعبر هذا البحر
بدلا من أن تطعن إخوانك فى الظهر.
الأمير علام: تونس قد صارت بيديك حطام
والكل يحارب بأسم الإسلام.
الزناتى: جعجعة لكن لا طحن .. فتن ومحن.
بن زيرى: تقصد ما نحن عليه من فرقة؟
الأمير علام: أجل .. شيعة وإباضية .. قدرية .. جبرية .. ظاهرية .. باطنية .. وإشاعرة ومعتزلة
ولكل منهم سيفه. من يعلن رأيه .. قطعوا رأسه..
سيف يرفعه كل منهم.. فى وجه أخيه بيسراه
ويصافح الفونس بيمناه .. والذنب الأكبر أن الكل يصيح الله أكبر
بن زيرى: أغرقنا أنفسنا فى دوامات..
حتى ضاعت من ايدينا الأوطان.. وضاع الدين
فى بحر الظلمات
الأمير علام: أفبعد ذا تتساءلون..
لماذا نحن المسلمون.. منهزمون؟!!.. أفلا تبصرون؟!!!
بن زيرى: ماذا تعنى؟
الأمير علام: وحوش الأفرنج قد انطلقت فى ساحتنا
تنهشنا.. تصرعنا.. لكنا نتفرج فى خذلان..
وكأن الساحة ليست ساحتنا..
وكأن القتلى ليسوا نحن والأدهى من ذلك أنا..
بعض منا.. يقتحم الساحة بطلا وهميا.. كأبى زيد
(يهجم أبو زيد ودياب والهلاليون ويتبادلون ضربات السيوف مع البربر)
(دياب يهجم على الأمير علام ويتصارعان بالسيف فى نفس الوقت)
دياب: ها أنذا.. كؤوس النقمة أسقيك
الأمير علام: (يضربه ضربة قاتلة) .. إشرب وحدك.. كأس الموت .. بهذى الطعنة.
دياب: آه.. خذ هذى الضربة.. عليك اللعنة.. عليك اللعنة..
(يسقط دياب والأمير علام صرعى على الأرض)
أبو زيد: (يخاطب الزناتى وهو يقارعه بالسيف)
الآن أريك وليس الغد .. لمن النصر.. لمن المجد..
لك أم لأبى زيد.
الزناتى: اليوم نصفى معك حساب الأمس .. فأنا إن أنس..
فلا أنس.. حمامات الدم.. أغرقت بها ابناء العم..
او لم تحرق وتحطم.. أنت ديار زناتة؟.. أو لم .. أو لم؟
أبو زيد: أجل.. وسأضربك وأضربهم..
حتى يبتلع الكل جهنم.
الزناتى: خذ هذى ا لضربة كى تتعلم.. عاقبة العدوان الآثم.
(يطعنه بسيفه فيترنح أبو زيد لكنه أيضا يسدد ضربة قاتلة للزناتى)
أبو زيد: آه .. آه.. خذ آخر طعنة .. من سيف أبى زيد البتار.
(يسقط كل من أبى زيد والزناتى خليفة على الأرض صرعى)
(جنود) الهلاليون: مات أبو زيد.. ما أبو زيد..
الثأر .. الثأر … الله أكبر .. الله أكبر.
(يدخل شخص قادم من الأندلس كرسول ويتقدم المسرح وسط الجثث التى تملأ خشبة المسرح يتأملهم ثم يخاطب الجمهور)
رسول من الاندلس: أين ابو زيد سلامة…؟!! أين ابو زيد؟؟
أين بن زيرى وزناتة وعلام.. أين العرب وأين البربر؟!!..
قد جئت اليوم .. من الأندلس .. من الفردوس المفقود
لقد جئت لكى أستنجد .. لكن لم أبصر أى احد..
فلقد مات الكل.. وهنا مقبرة الأمة .. والآن.. لا أدرى.
هل جئت اعزى أمتنا .. فى قتلاها دون قضية..
أم أنعى بلواها الأبدية.. فلقد سقطت.. المدن الأندلسية
صارت إفرنجية .. “فاطمة” ستدعى فاتيمة..
وستدعى زينب مارية.. “والنورمان” سيأتون..
وسترسوا السفن الإفرنجية .. عند شواطئ افريقية..
وستسقط أرض العرب .. وأرض البربر.. الإسلامية..
فالحرب صليبية .. فلنتذكر.. أن المدن الأندلسية..
قد سقطت .. المدن الأندلسية .. كانت إسلامية
والحرب الآن.. حرب إبادة .. فانتبهوا .. انتبهوا يا سادة.