الشخصيات :
– بلال .
– أبو الحكم بن هشام «أبو جهل» .
– أمية بن خلف .
– كورس «عبيد وأتباع» .
***
– الزمان : فترة ظهور الإسلام .
– المكان : ساحة صحراوية جبلية في مكة.
– الملابس: عربية بدوية .
[يدخل المسرح أبو الحكم بن هشام «أبو جهل»] وأمية بن خلف وجمع من العبيد والأتباع يجرون خلفهم بلال مربوطًا في عنقه بحبل من الليف. ويضربونه بالسياط وهو عاري الصدر والعرق يتصبب على جسده، ويبدو على وجهه الإصرار والمقاومة رغم الإجهاد والتعب وآثار الدماء على ظهره وذراعية ..] [ موسيقى ]
– بلال : [ يسمع صوته من قبل أن يدخل المسرح ويستمر] .
آه … الله .. الله .. الله أحد .. الله أحد .
– أبو جهل : فلنقتل ذاك الصحابي .. الفاجرْ .
– أمية بن خلف : إصبرْ .. أبا الحكم.. اصبرْ .
سنعذبه حتى يكفر .
ألقوه على الرمل الساخن كالجمر
وضعوا الصخرة فوق الصدر .
[بسرعة يجرُّ الأتباع بلال ويلقونه على الأرض ويضعون صخرة كبيرة على صدره العاري، ويضربونه بالسياط] .
– بلال : آه .. آه .. الله .. الله أحد.
– أبو جهل : اكفر بإلهك .
– بلال : الله أحد .. الله أحد .
– أمية بن خلف : والآن .. فلنبعد تلك الصخرة عن صدر بلال كي نسعمهُ ونحاكمهُ.. فلعلَّ .. لعلّ.
[يقوم الأتباع سريعًا بإزاحة الصخرة عن صدر بلال وإيقافه والأغلال في رقبته] .
– أبو جهل : [يخاطب بلال] .
من ربك ؟
– بلال : الله .
– أبو جهل : بل تعبدُ ودَّ وسواع ويعوق ويغوث ونسرى واللات والعُزَّى.. ومناةَ
– بلال : كلا .. فالله .
سبحات فكري في علاه حياة
وله العبادة والصلاة .
– أبو جهل : ولماذا تعبد ربك هذا .. يا هذا ؟
– بلال : [ينظر إلى السماء في ذهول صوفي] .
رباه أنت خلقتني ورزقتني .. وهديتني .. وإذا مرضت شفيتني
لو عشت عمري قائمًا في ليلكا .. وقضيت دهري صائمًا بنهاركا
لو أنني .. لو أنني
ما كنت أقضي الدَّيْن حين وهبتني
عمري وروحي والفؤاد وأعيني
– أبو جهل : [يخاطب العبيد والأتباع يحذرهم من بلال] .
ها هو صاحبكم .. تمتم بطقوسهْ .
ابتعدوا عنهْ ..
كي لا ينتقل إليكم عدوى سحره .
[يبتعدون إلى الوراء في خوف] .
– بلال : [يستمر في ذهوله الصوفي مناجيًا ربه] .
الشمس تسجد في الفلك .. والنجم والأشجار لك .
وتسبِّح الأطيار لك .. يا من أضئت لمن سلك .
الليل لمَّا أن حلك .. من لم تمدّ له يدك
تبًّا له فلقد هلك
– أبو جهل : ولماذا لم يهد إلهك ؟
سادات قريش
وهدى أمثالك ؟
– بلال : قد مدَّ رسول الله لكم
يده بالنور ليخرجكم
من بحر الكفر إلى شط الإيمان
لكنْ .. في آذانكم وقر فلستم تسمعون
هل يسمع الذين في القبور ميتون ؟
– أبو جهل : ماذا علَّمكمْ .. نبيَّكم ؟ ما الإسلام؟
– بلال : علمنا الصدق ..
علمنا الحق .. علمنا أن نسمو كالأزهار
أن نصبر ونقاوم كالصبَّار
أن نعطي مثل الأنداء وكالأمطار
أن نعطي كالأشجار .. ظلًّا ممتدًا وثمار
علمنا حقن الدم .. علمنا أن نصل الأرحام
علمنا ألا نظلم .. ألَّا نأكل أموال الأيتام
علمنا ألا نستسلم للضيم
ونهانا أن نقتل آلهة الشر
علمنا ألّا نخشى إلا الله
فصدقناه .. آمنا به ..
– أبو جهل : تبًّا لك .. لماذا تحب نبيَّك ؟
– بلال : سيد خلق الله
الرحمة المهداة .. لو خاض البحر لخضناه
قد غسل ملائكة الله .. قلبه
فإذا هو طهرٌ ونقاء وسكينة
لكن عند الظلم ستلقاه
صاعقة أو إعصار
– أبو جهل : وإلى ماذا يدعونا ؟
– بلال : يدعوكم إلى كلمة
تدين بها العرب لكم
وتملكون بها العجم .
– أبو جهل وأمية : ما تلك الكلمة ؟!!!
– بلال : لا إله إلا الله .
– أبو جهل وأمية : [ويردد الكورس خلفهما في استغراب «أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إن هذا لشيء عجاب]
– أمية بن خلف وأبو جهل : أإله واحد خير أم أرباب متفرقون ؟
– بلال : أو عبدٌ لك وحدكَ خيرٌ
أم عبد لك فيه شركاء؟
حين يكون إلَه واحد .. سيكون هو السيَّد .. الأوحد
لن يصبح في الدنيا عبدٌ إلّا لله
وبدون إله واحد .. لا عدل ولا حرية .. لأحد
– أمية بن خلف : [في سخرية] .
لكن نبيكم الأعظم .. لم ينقذكم
لا يقدر أن يمنعكم .. عمَّا فيه أنتم
من حزن ومذلَّة .. وعذاب
– بلال : قد يبدو لك أن الزمن توقف
وبأن الصخرة سدت باب الكهف
وبأنا محصورون به
وسط الظلمة والشدة والخوف
لكني أبصر خلف الأفق الأسود ما لا تبصر
أبصر مصرعكم في بدر
وأنا أعدو خلفك يا بن خلف
وأصيح وبين يديَّ السيف .. (لا نجوتُ إن نجوتَ)
ساعتها نقتلك أميّة .. وأبا جهل وشيبة .
– أمية بن خلف : متى؟ متى هذا الخَرف
– بلال : موعدنا الصبح أو ليس الصبح .. بقريب . الصبح أذِف
– أمية بن خلف : كلماتك تلك هراء وعدم
صرخة مذبوح يهذي .. يتألم
كلماتك زغرودة .. في مأتم
– بلال : بل هي زغرودة .. في عرس الإسلام القادم
والمأتم مأتمكم أنتم
– أبو جهل : من أنتم ؟
بلال وسلمان .. وصهيب .. وخبَّاب
ما أنتم غير عبيد ودواب
أما نحن فنحن الأسياد
والمجد لنا والعزَّة
– بلال : لكن العزَّة لله
لرسوله .. ولمن آمن به
حين نكون العبد .. لإله الكون الأوحد
فلنا العزة والمجد .. نرث الأرض ..
ولنا في الآخرة جنان الخلد
– أبو جهل : ماذا يريد .. ذلك الدين الجديد .
– بلال : يريد الله أن يمن على المستضعفين
ويجعلهم الوارثين ، ليقيموا دنيا من غير قياصرة وعبيد .
دنيا من غير قياصرة وعبيد
ينتصر بها المظلومون .. المحرومون .. المقهورون .
– أبو جهل : هذا يعني أن أبا الحكم بن هشام
يمضي في الصحراء ليرعى الأغنام
يكنس داره .. يجمع حطبه
يحلب شاته .. وتضيع تجارته
ويضيع المال .. نعطيكم إيّاه زكاة
ويضيع السلطان .. ويضيع الجاه .
– أمية بن خلف : هذا جنون
لا لن يكون .
– أبو جهل : تريد منّا نسيان ذكرياتنا .. كعبتنا .. أصنامنا .. آلهة أجدادنا .. مجدنا وعزَّنا .. وتضيع مصالحنا ..
– أبو جهل : مهما قلت .. فإنك عبد لئيم
وأنا العزيز الكريم
– بلال : فتقلب في الجحيم .. أيها العزيز الكريم
لكني لن أحني الرأس لأصنامك لن أركع لك
إنما نحن عبيد الله لسنا من عبيدك
أين من كان يعادي الله قبلك ؟
– أبو جهل : لنا المال والملك في هذه البلاد
– بلال : «متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد»
أين فرعون ذي الأوتاد
وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ؟
أين عاد التي لم يخلق مثلها في البلاد؟
من يشتري الآن مني ملك عاد بدرهمين؟
– أبو جهل : صهٍ .. صهٍ يا أيها اللعين
أنا العزيز المتين .
[أبو جهل يرفع رأسه في كبرياء ليبدو أكثر طولًا]
– بلال : أنت لن تبلغ الجبال طولًا .. ولن تخرق الأرض بخطوك
هذه الدنيا التي تزهو بها .. سوف ترديك حطاما
هذه الأرض التي تعدو بها سوف توريك عظاما
فتمهل أيها الباغي تمهل
«اتق الله الذي هو باقٍ وفانٍ من سواه»
وتذكر .. أن بطش الله من بطشك أكبر
وتذكر .. أن يومًا ما يعيث الدود في
جسم من الدوة أحقر .. ثم بعد الحشر مأواك سقر
– أبو جهل : [في اضطراب وغضب]
اجلدوه .. اجلدوه
أتهددنا بعذاب بعد الموت .. لن نلقاه
– أمية بن خلف : أيها المعتوه
«… من يحيى العظام وهي رميم؟» .
– بلال : «قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم» .
– أمية بن خلف : كيف سيحيي ربك .. كلَّ البشر؟
– بلال : كما ينزل الله ذاك المطر
على الأرض هامدة كالحجر
فتهتز يخرج منها الشجر
وتخرج منها الزهور
كذلك يخرج من في القبور
يوم النشور
– أبو جهل : ولكننا في هذه الحياة
لنا الدنيا .. لنا الجاه
– بلال : دنياكم ملعونة
أيام معدودة
ليس تساوي عند الله .. جناح بعوضة
– أبو جهل : [يتزايد غضبه]
اجلدوه .. اجلدوه
اكفر بإله محمد
عمَّار وأمه .. وأبوه
قد سبّوه .. كفروا به
– بلال : كلَّا .. ما كفروا به
بل تلك تُقاه
قلوبهم عامرة بالإيمان
– أبو جهل : اكفر بإله محمد
– بلال : [وهم يجلدونه]
الله أحد .. الله أحد
– أبو جهل : واللّات والعُزَّى ومناة
سأقتلك بسيفي البتَّار
وقتلت «سميَّة» أم الصابئ عمَّار
– بلال : أقتلت امرأة .. يا للعار
أين الرجولة والمروءة والشهامة يا رجل .. ؟
لأنت يا أبا جهل
نعامة تظن أنها أسد
– أبو جهل : [يتزايد غضبه] .
إخرس يا أسود
الصبر نفد
فدعوني أقتله الآن .
– أمية بن خلف : اقتلوه صبرا
عذبوه .. اجلدوه
[يزداد ضربات أتباعه لبلال بالسياط في تسارع مضطرد]
– أبو جهل : اسمع يا هذا العبد الأسود
اكفر بإله محمد
والعُزَّى فاعبد
– بلال : الله أحد .. الله أحد
– أبو جهل : إياك وقولك أن الله أحد
لا تنطق للّات وللعُزَّى ومناة
– بلال : [يتزايد إصراره]
الله أحد .. كلا لن أسجد
لن أسجد إلا لله
– أمية بن خلف : الكل سجد
فلتسجد أنت .. فلتسجد
– بلال : كلا كلا
سأظل أقول أنا لا
حتى لو قال الكل نعم
سأظل أحطِّم كل صنم
– أبو جهل : سنريك عذاب جهنم
حتى ترجع .
– بلال : لن أحني الرأس ولن أركع .
لن تبصر في عيني الدمع ..
حتى لو بقيت تلك الصخرة فوق الصدر
أبد الدهر ..
قد تقتلني الآن .. لكن لن تقتل في صدري الإيمان .
– أمية بن خلف : اسجد للأوثان
سنريك عذابًا لم يشهده إنس أو جان .
[أبو جهل وأمية بن خلف يشاركان في ضربه بالسياط]
– بلال : فلتقذف بي في ظلمات السجن
وليخنقني السجَّان
اطردني خارج مكة .. منذ الآن
وعلى أبواب الحيّ اجلدني
علقني فوق ديارك كي ينهشني الطير
اصلبني فوق الأشجار
اربطني خلف الأسوار
اجلدني ليل نهار
وليرجمني أتباعك بالأحجار
اقذف بي في أعماق البحر
أنزلني في ظلمات القبر
لكن لن أسجد لحجر
لن أرتد .. لن أرتد
الله أحد .. الله أحد .. الله أحد .. الله أحد
[يعلو صوته ويختلط بأصوات الجلد بالسياط]
[موسيقى عنيفة]
[ستار]