الكاتب الصحفي عصام عمران يكتب: فاروق حسني .. شهادة غير مجروحة !!

إذا كان تعاقب على تولى حقيبة وزارة الثقافة المصرية منذ انشائها لأول مرة عام ١٩٥٨ اثنان وعشرون وزيرا ، فإن الفنان فاروق حسني .. متعه الله بموفور الصحة والعافية.. يظل الأكثر تأثيرا من بين هؤلاء الوزراء ليس لكونه الأطول فترة بينهم ” ٢٣ عاما ” ولكن لما قدمه من إسهامات وإنجازات طوال تلك الفترة التي بدأت عام ١٩٨٧ واستمرت حتى يناير ٢٠١١ ،
ولايزال تأثيرها باقيا حتى يومنا هذا ، ولعل مشروع المتحف المصري الكبير الذي بات حديث العالم خير دليل على عبقرية وعظمة هذا الرجل ، ولم لا وهو صاحب الفكرة وراعيها حتى باتت واقعا ملموسا للقاصى والدانى .
وأهم ما يميّز الفنان فاروق حسني من وجهة نظري إنه كان يمتلك رؤية مستقبلية لما ينفذه من مشروعات فى وزارة الثقافة، بل ولما يدور في كثير من المجالات بالدولة فى ذلك الوقت، الأمر الذى كان يجعلني اقول له دائما أن مشكلته الحقيقية أنه دائما سابق عصره فى نظرته ورؤيته للأمور حتى فى مجال السياسة كان له آراء قوية ومختلفة سبببت له الكثير والكثير من المشاكل ،
ويكفى القول أنه الوحيد الذى أعلن رفضه لتوريث الحكم وهو على كرسي المسؤولية، علاوة على العديد والعديد من
الآراء الأخرى التي كادت ان تزيحه من على كرسي الوزارة ومنها تصريحه الأشهر ردا على أحد نواب الإخوان بمجلس
الشعب آنذاك بشأن عدم وجود كتب إسرائيلية في أى من قطاعات الوزارة وإنه لو وجدت لاحرقها، وهو ما جعل الكيان
الصهيوني يأخذ موقفا من ترشحه لمنصب امين عام منظمة اليونسكو وتكتلوا عليه حتى اسقطوه !! .
وعن عبقرية فاروق حسني في الإبداع والثقافة حدث ولا حرج، فلن ابالغ إذا قلت أن معظم المشروعات العملاقة
التى تمت فى عهد الرئيس الراحل مبارك كانت في مجال الآثار والثقافة ، وفي القلب منها كما ذكرت في البداية
مشروع المتحف الكبير ،
وكذلك متحف الحضارة ومتحف النوبة بأسوان ومتحف التحنيط بالأقصر وغيرها من المتاحف الأثرية والفنية بمختلف
أنحاء الجمهورية ، علاوة على مشروع إنقاذ وتطوير القاهرة التاريخية الذى تضمن ترميم وانقاذ أكثرمن ٥١٧ أثرا ومبنى
تاريخيا اضيرت جراء زلزال أكتوبر ٩٢ ،
لاسيما مجموعة آثار شارع المعز لدين الله الفاطمي الذى كان مرتعا للباعة الجائلين وتجار الخضار والفواكه وتحول فى
عهد فاروق حسني إلى متحف مفتوح.
إبداع فاروق حسني لم يتوقف فقط عند مشروعات الآثار والتراث وما أكثرها بل امتد ليشمل أيضا نشر الوعي والفكر
المستنير فى شتى ربوع الوطن من خلال إقامة واحلال وتجديد بيوت وقصور الثقافة بمختلف المحافظات، علاوة على
المشروع الثقافى الأهم فى تلك الحقبة والمتمثل فى مهرجان القراءة للجميع ومكتبة الأسرة اللذين اسمها بشكل
كبير فى مد الخدمة الثقافية إلى الملايين من المصريين علي مختلف انتماءاتهم و مستوياتهم الاجتماعية
والاقتصادية
أخيرا وليس آخرا فإن عبقرية وعظمة فاروق حسني لم تقتصر فقط على الداخل بل امتدت لتشمل العديد والعديد من
دول العالم من خلال المشاركة الفاعلة فى الكثير من المهرجانات والمؤتمرات الثقافية والفنية التي تجاوزت فى الكثير
من الأحيان ٥٠ مشاركة سنويا ما بين مهرجانات للفنون الشعبية والموسيقية والسينمائية ،
وكذلك إقامة وتنظيم العديد من معارض الآثار المصرية التى طافت جميع قارات العالم وما حققته من عوائد مالية
وترويجية ، اضافة إلى تواجد الإبداع المصري في معظم معارض الكتاب الدولية الكبرى .
فى النهاية اقولها بصراحة أن الحديث عن فنان ومسؤول بحجم وقيمة فاروق حسني يحتاج إلى عدة مقالات بل و
صفحات ، ولكن هذا غيض من فيض مما قدمه للإبداع والتراث المصري طوال ربع قرن من الزمان قضاها على رأس
واحدة من أهم الوزارات،
ولن ابالغ إذا قلت قبل وبعد توليه مسؤلية وزارة الثقافة، ولعل إنشائه مؤخرا مؤسسة خاصة تحمل إسمه بهدف دعم
ومساندة الأجيال الجديدة من المبدعين والفنانين الشبان خير دليل على عبقرية وعظمة هذا الرجل وهذه شهادة
حق غير مجروحة فى إنسان قبل أن يكون فنان أو مسؤول تعاملت معه عن قرب أكثر من عشرين عاما .