الحديث عن نصر أكتوبر المجيد والإنجاز، بل الإعجاز الذى حققه المقاتل المصري خلال تلك الحرب العظيمة يحتاج إلى العديد والعديد من المقالات والصفحات، ولن أبالغ إذا قلت المجلدات لشرح وتوضيح النتائج والآثار التى خلفتها تلك الحرب على كافة المستويات، حيث تناولنا في المقالين السابقين تأثير ونتائج ملحمة أكتوبر على المستويين العسكري والسياسي و أخيرا وليس آخرا نستعرض فى هذا المقال آثار و نتائج الحرب علي المستوي الاقتصادي طوال نصف قرن من الزمان ، وكذلك على المستوى النفسى والمعنوى للمصريين شعبا وجنودا .
ففى البداية ووفقا للخبراء والمحللين الاستراتيجيين فإن، التضامن العربي الاقتصادي خلال حرب اكتوبر والذي لم يحدث من قبل كان له تأثير فعال في اكتشاف القدرات العربية في التأثير علي الاحداث الاقليمية ، وعلى المستوي الدولي فقد غيرت حرب أكتوبر العديد من المفاهيم الاقتصادية العالمية وسنركز من خلال السطور التالية علي رصد ملامح التغيير في النظام الاقتصادي المصري الداخلي بعد هذا الانتصار العظيم لبلورة روح التحدي لدي الشعب المصري .
وبجانب النتائج السياسية للانتصار العظيم في حرب السادس من أكتوبر كانت هناك ايضا انعكاسات اقتصادية كبيرة اظهرت روح التحدي لدي الشعب والحكومة المصرية ، فبداية كان تحول مصر اقتصاديا نحو المسار الليبرالي في عام 1974، وبعد ذلك تم رسم إطار نظري لهذا التحول من خلال محورين الأول اكد علي ضرورة تنقية التجربة المصرية من السلبيات التي أعاقت حركتها بينما طالب الثاني بضرورة الموائمة بين حركة العمل الوطنى في المجال الإقتصادى وبين الظروف الجديدة التي يعيشها العالم.
و حتى يتم تأكيد وتأصيل خطة الإنفتاح الإقتصادى في تغيير توجهات الإقتصاد المصرى، صدر القانون الشهير رقم 43 لسنة 1974 الخاص بإستثمار رأس المال العربي والأجنبى والمناطق الحرة، ثم توالت بعد ذلك القوانين والتعديلات في جميع الجبهات، لكى تتوافق مع سياسة “الإنفتاح الإقتصادى”.
وبالتوازي فضلت الحكومة المصرية فى ذلك الوقت التحالف الإستراتيجى مع الولايات المتحدة الأمريكية والإندماج في الإقتصاد الرأسمالي والسوق العالمية ووضحت مظاهر ذلك في افتتاح فروع البنوك الأجنبية الدولية في مصر، وفي نفس الوقت اقدمت هذه البنوك علي منح التسهيلات المصرفية وتسهيلات الموردين، ونتيجية ازمات السيولة النقدية في عامى 1976 و1977، تم التعاون مع صندوق النقد الدولي بوضع برنامج للإصلاح الإقتصادى وهو أول برنامج بالإتفاق مع صندوق النقد الدولي يستهدف إستكمال معالم النمط الرأسمالي الليبرالى الذي بدأته سياسة “الإنفتاح الإقتصادى”.
ونتيجة المشاكل الاقتصادية المتتالية انتهجت مصر سياسية الاصلاح الاقتصادي بداية من عام 1991 وفقا للاتفاق مع صندوق النقد الدولي من خلال الخطط الخمسية في عقد التسعينات وتحقق الاستقرار الاقتصادي النسبي خلال هذه الفترة .
وبعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم تم التركيز بشجاعة علي برنامج الاصلاح الاقتصادي ، حيث أكد
الرئيس أن تأخر اتخاذ اجراءات الاصلاح من قبل كان له تأثير سلبى على دعائم الاقتصاد ، موضحا أن الشيء الجميل
فى الأمر تمثل فى تفهم الشعب المصري وتحمله أعباء الإصلاح الاقتصادي ” من الناحية الاجتماعية كما قامت مصر
بتعديل السياسات النقدية عن طريق وجود سعر مرن للعملات، وتحرير سعر الصرف، الأمر الذى انعكس على جذب
الاستثمارات، ومحاصرة السوق السوداء للعملة، وزيادة تنافسية الصادرات. واصدرت قانون الاستثمار، وإقرار قانون
منح التراخيص الصناعية، وفي نفس الوقت تم إصلاح شبكة الطرق وانشاء طرق جديدة بالاضافة إلى الاستكشافات
الجديدة للبترول .
وعلي مستوي السياحة فقد كان لحرب اكتوبر نتائجها المبهرة ، خاصة فيما يتعلق بالأمان والتطور العمراني الذي أفرز
العديد من المناطق السياحية على رأسها شرم الشيخ والغردقة والعديد من المنتجعات السياحية على ساحل البحر
الأحمر.
ونأتى لاثار حرب أكتوبر على المستوى النفسى والمعنوى ، حيث يؤكد الخبراء العسكريون أنها حافظت على الروح
المعنوية لرجال القوات المسلحة رغم قسوة الظروف ، وكان النجاح في حرب الاستنزاف وسيلة من الوسائل
الأساسية التي نجحت مصر في استخدامها لتقوية الروح المعنوية للمصريين جميعاً علاوة على النجاح قي اعداد
قواتها المسلحة للدخول في معركة عسكرية بعد 6 سنوات من النكسة على الرغم من الحسابات والتوقعات التي
كانت تنشرها القوى المختلفة مدعية أن مصر لن تنهض مرة اخرى، ولكن المصريين نهضوا ودخلوا حربا بعد 6 سنوات
واوقعوا بالعدو هزيمة قاسية في ٦ ساعات !! .
وكذلك تمت استعادة الثقة بالنفس والقيادات والقدرة على التخطيط العلمي السليم، وتحطيم جدار الوهم الذي
ادعت فيه إسرائيل تفوقها على مصر ومن خلال ما تم انجازه تأكد ان المصري الذي اقام حضارة ضاربة بجذورها في
عمق الزمان كان ومازال قادرا على اقامة حضارة جديدة استمرارا لما قدمه للبشرية ، وكان من أهم نتائج حرب اكتوبر
1973 زيادة ادراك المصريين بان دورهم الذي خلقهم الله له لا يزال قائما ومستمرا حتى تقوم الساعة، لأن مصر كانت
ولاتزال بكل عراقتها التاريخية وثوابتها الثقافية صاحبة دور فاعل ومؤثر وموطنا للأمن والسلام.