عبد الناصر البنا يكتب : فرع المعاملات الاسلامية

عبد الناصر البنا
فرع المعاملات الاسلامية يعنى ببساطة ” ريح الزبون ” وسوف أستهل هذا الموضوع بواقعة طريفة حدثت معى فترة التسعينات ، كنت أقص شعرى عند حلاق يدعى على البنا فى منطقة كوبرى القبة ، وكان يعتقد أننا أولاد عم نظرا لتشابه الأسماء بيننا ، وقد فاته أن مهنة الحلاق فى الصعيد لها مالها وعليها ماعليها ، حاصل القول أنه كان يحلق لزبون مفيش فى رأسه بخمسة صاغ شعر ، وتخطى الساعة معه ، وأنا أغلى لهذا الوقت المهدر ، همست له على إنجز ، قال لى لازم تراعى الناحية السيكولوجية للزبون ، ولما إندهشت قال لى يعنى ” ريح الزبون ” أصل الزبون دا بيدفع أد عشر زباين !!
من وقتها حفر هذا المصطلح فى الذاكرة ، وقد جاء وقته ، وأنا أعلم أن الخوض فى هذا الموضوع هو بمثابة المشى
على الأشواك ، خاصة وأننا مجتمع متدين بطبعه ، والحمد لله لدينا مايربو على الـ 100 مليون مفتى وعالم دين ، وقد
دار حوار بينى وبين بعض الزملاء منذ فتره حول فوائد البنوك ، وحول قوله تعالى ( وأحلّ الله البيع وحرّم الربا ) ، وقوله (
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ) وما إن كانت فوائد البنوك ربا أم لا خاصه وإن كانت نسبة العائد
ثابته ؟
وهذا الموضوع قديم حديث ، عن حكم فوائد البنوك جاءت فتاوى دار الإفتاء لتؤكد على أنه لا مانع شرعًا من التعامل
مع البنوك وأخذ فوائدها والإنفاق منها في جميع أوجه النفقة ، كونها عبارة عن أرباح تمويلية ناتجة عن عقود تحقق
مصالح أطرافها ، ولا علاقة لها بالربا المحرم الذي وَرَدَت حُرْمته في صريحِ الكتابِ والسُّنة، والذي أجمَعَت الأمةُ على
تحريمه .
وحول هذا الموضوع إنقسمت آراء الزملاء مابين مؤيد ومعارض ، هناك من يقول أنها حلال ، ووفقا لما أفتى به علماء
الأزهر ، ومن يرى أنها حرام كونها الربا الذى نهى الله عنه ، وكل متحيز لرأيه . قالت زميله : زوجى رجل أعمال وهو
على قناعة تامة أن فوائد البنوك ربا وأنها حرام ، قلت لها : زوجك بيحط فلوسه فين ؟ قالت : فى بنك فيصل
الاسلامى ، قلت لها : بيعطوا له فايده كام ؟ قالت : لا ماعندهمش فوايد هو نظام مرابحه يعنى هو شريك فى
مشروعات البنك فى المكسب والخسارة ، قلت لها : أنت فى رأيك هل فى مشاريع بتخسر ، دا التاجر الخيبان أقل
مكسب عنده 30 % ، قالت لى : هو السنه إللى فاتت حط مليون جنيه وفى نهاية السنة عملوا له مكسب 2000
جنية !!
هذه الطريقة المقنعة من النصب شغلتنى كثيرا ، فسألت أحد أساتذة الفقه المقارن الأفاضل ، فأقسم لى أنه لايوجد
مايعرف بإسم المعاملات الاسلامية فى البنوك ، وأنها من قبيل التلاعب بالألفاظ لا لشىء إلا من اجل أنهم يريحوا
الزبون المتردد ، وأضاف أنا عضو فى لجان الفتوى فى أكثر من بنك إسلامى وغير إسلامى وليس هناك مايسمى
بالمعاملات الإسلامية !!
يعنى الموضوع من الألف إلى الياء ضحك على الدقون ، ولما حد يسألك هل فوايد البنوك حلال ولا حرام ، إعمل زى
أخونا على البنا الحلاق و ” ريح الزبون ” وقول : إللى شايف أنها حلال تعالى ياعم بالأحضان وحط فلوسك ، وإللى
شايفها حرام لا إحنا هنودع لك فلوسك فى فرع المعاملات الاسلامية ، تماما زى تجار الكيف ، تجار الكيف ليهم مقولة
عن الحشيش لو حلال أدينا بنشربه ولو حرام أدينا بنحرقه !!
موضوع فرع المعاملات الاسلامية فى البنوك أو مايسمى بالبنوك الاسلامية والبنوك التجارية وغيرها ، والمستندات
الشرعية لعمل البنوك ومشروعية التعامل مع البنوك ؛ إيداعًا وتمويلًا ، والردود التي تُحرِّم هذا التعامل وتصفه بالرِّبَا ،
موضوع كبير جدا مرتبط بداية ” بنشأة البنوك ودورها في الاقتصاد ـ وبالخدمات والأنشطة التي تقدمها البنوك ــ وبأنواع
الودائع المصرفية وتكييفها وحكمها ـ وأنواع التمويلات ـ وعلاقة البنوك بالمودعين وهل هى وكالة أم مضاربة ، وهل
تحديد نسبة معينة من المال في الربح يُفسد تكييف الودائع البنكية بأنها مضاربة ــ واستحداث عقود جديدة غير
المُسمَّاة في الفقه .. إلخ ” . موضوع كبير وقضية جدلية تختلف وفق فهومنا وتأويلنا لـ آيات الله
أنا فى رأيى أن الحرام هو ماتم تحريمه بنص قطعى الدلاله من قبل المولى عز وجل ، أما المختلف فيه ممن لم يرد
فيه نص أو ورد فيه نص قابل للتأويل ” استفت قلبك .. وإن أفتاك الناس وأفتوك ” . فالحلال بين والحرام بين وبينهما
امور مشتبهات .
جدليه ” الحلال ــ والحرام ” تاخدنا لموضوع لايقل أهمية وهو ” التدين الظاهرى ” وهى ظاهرة تفشت فى مجتمعاتنا
بطريقة غريبة ، وأكيد فى نماذج كتير صادفناها فى حياتنا ، لقاطع رحم ولكنه يحرص على آداء العمره والحج كل عام
، لموظف مرتشى ولايكل ولايمل أن يردد قال الله وقال الرسول ، تقابل أحدهم تقول أبيع بيتى وأسكن إلى جواره
وتفاجىء أنه حرامى ، أو تلاقى صاحب محل فراخ ومشغل الراديو على إذاعة القرآن الكريم بطول الليل وهو فى النهار
يغش ويسرق فى الميزان أو جزار فاتح إذاعة القرآن الكريم وبيسرق فى الميزان ،
زمان كان عندنا جار فى أرضنا كنا نلقبه ” الامام ” الحقيقة أنه كان يحرص على آداء الصلاة فى أوقاتها قدر حرصه
على سرقة المحاصيل من أرضنا ، لدرجة أنه فى أحد المرات بعد أن وضع ماقام بسرقته فى مأمن توضأ وقام لآ آداء
الصلاة !!
وقد تصادف فتاة ترتدى الحجاب أو الخمار أما نصفها الأسفل فلا يمت للنصف الأعلى بشىء ، وهذه النماذج موجودة
بكثرة فى المجتمع ، أمور عريبة تجد أنها أخذت الشكل الظاهرى وتناست الجوهر ، إلا من رحم ربى ، ولعلنا نتذكر
سنه الأخوان السوداء ، عندما تحول تحول المجتمع المصرى الوسطى فجأة بقدرة قادر إلى عبايات سوداء ترتديها
السيدات ، وجلاليب بيضاء قصيرة وسبحه وذبيبه وذقون مدلاه إلى الكروش ، وكذب ما أنزل الله به من سلطان فاق
كذب السلفيين ،
ولأن الأيام دول مررنا بمثل هذه التجارب بعد عودة من عادوا من دول النفط فى أواخر الألفيه ، وقد أنفقت السعودية
الغالى والنفيس من أجل نشر الوهابية ، وعادت إلينا اللحى والسواك والخيام المتحركة ، وبخطب مشايخ الوهابية
على أشرطة الكاسيت ، وفجأة وبجرة قلم تخلت السعودية عن الوهابية وعن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ،
وبقيت فلول الخليج فى مصر على جهالتهم تحرم الحلال وتحل الحرام ،
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.