عبد الناصر البنا يكتب: أكتوبر .. وصفحات خالدة فى تاريخ الوطن !!
لما قامت حرب أكتوبر 1973 كان عمرى 7 سنوات تقريبا ، قبلها بسنوات قليلة ومع بداية تعلمى للنطق يحكى أنى كنت أردد دوما مع لعبة ألهو بها ” بيب بيب .. تل ابيب ” تأثرا بخطب الزعيم جمال عبدالناصر ، سنة 73 أعتقد أنه مكانش فى بيت فى مصر مالوش حد بيحارب فى صفوف القوات المسلحة المصرية أبا كان أو إبنا أو عما أو خالا .. إلخ .
الحقيقة الشعب المصرى كله وعن بكرة أبيه وقتها كان واقف إلى جنب الدولة المصرية ، وهذا هو حال المصريين فى وقت الأزمات تجدهم مجتمعين على قلب رجل واحد ، كنا فى حالة تقشف شديد وكان الشعب عايش على حد الكفاف علشان نتخطى هذه المحنة وتلك المرحلة الحاسمة فى تاريخ الوطن ونكون أو لانكون .
الجميع كان على أهبة الإستعداد لمرحلة إستعادة الكرامة التى أهدرت فى عام 67 ومسح العار والهزيمة التى ألحقت بنا ، على الرغم من أن مصر فى هذه المرحلة مرحلة 67 ومابعدها ” حرب الإستنزاف ” أذاقت إسرائيل الويل ، وهناك بطولات لمصريين كانت خارقة للعادة فى تلك المرحلة التى مهدت لحرب تحرير الأرض والعرض .
خضنا معركة فى ظروف بالغة الدقة والتعقيد ، واحيل القارىء وخاصة الشباب إلى كتاب الأستاذ موسى صبرى ” وثائق حرب أكتوبر ” لمعرفة التضحيات والظروف التى عاصرت تلك الفترة من تاريخ الوطن ، وبالنظر إلى خريطة العالم العربى وقتها تدرك كيف إستطاع الرئيس السادات بحنكته جمع شتات العرب ، فوقفت السعودية إلى جانب مصر ولا أحد ينكر ” سلاح البترول ” ووقفة الملك فيصل رحمه الله ، وكذلك الجزائر الشقيق بعدد من القوات ، وليبيا ببعض الطائرات رغم الخلاف الذى دب بين العقيد القذافى والرئيس السادات .
القذافى كانت طلته قريبه وكان عاوز ياخد اللقطه لدرجة أنه طلب طياراته ، الكويت أرسلت عناصر تقاتل ، الموقف
على جبهة القتال فى الأردن وسورية يذكرنى بلقاء لى مع اللواء طيار محمد فكرى الجندى الذى عمل قائدا للجبهة
السورية فى حرب أكتوبر ، وهو اللقاء الذى جمعه مع السفير محمد بسيونى سفير مصر الأسبق فى تل أبيب ، وكنا
فى إستراحه أستوديو 3 بالتليفزيون المصرى ، وكان اللواء الجندى رحمه الله يتميز بهدوءه الشديد ، قال السفير
بسيونى : أوعى تستهون بالساكت دا وهو يقصد اللواء الجندى دا صال وجال فى الطيران الإسرائيلى وعاد بطائرة
عبارة عن علبة صفيح لاتصلح للطيران تقدر تقول عليها حته حديد خردة ورفض ينط منها ويسيبها تنفجر .
عاوز أقرب لك هو عمل إيه تخيل الجندى كان راكب عربية سيات ودخل بيها فى أسطول عربيات مرسيدس عيون
وكسرها ، الحقيقة ملاحم وبطولات المصريين فى حرب أكتوبر لا أول ولا آخر لها ، كتبت فى سنوات سابقة تحت
عنوان ” أخى وأبطال صنعوا النصر ” عن دور المقاتل المصرى ” الجنود ” وهم وقود المعركة بعد أن رأيت تناسى
الاعلام لدور الجنود والتركيز على القادة ، وأنا هنا لا أقلل من دور القادة أبدا ، لكن ردا للجميل لهؤلاء الأحياء منهم
والأموات ، أتذكر أن أخى رحمه الله كان قارىء على شاشة رادار محطات B 11 وكان يقوم بعملية التوجيه الأرضى
للطيارين فى ميدان المعركة ، وقد أحسن اللواء أحمد كمال المنصورى صنعا عندما قال عنه فى آخر لقاء جمعنا ”
كانت روحى فى إيدة ” !!
لن أنسى عمر يس ” رحمه الله ” وهو أحد أبطال الكتبة 603 مشاه أسطول بحرى التابعة للواء 130 وكان يقود مدرعة
برمائية ( حاملة جنود ) ماركة TOBAZ توباز ، وكان فى طليعة القوات التى اقتحمت النقطة الحصينة فى منطقة (
كبريت ) واستولت عليها برفقه المقدم إبراهيم عبدالتواب قائد الكتبة الذى إستهدف على الجبهة بدانة مدفع قبل أيام
من مباحثات الكيلو 101 وفك الحصار ، وكان عمر يس هو صاحب فكرة تقطير المياه التى ساعدتهم على العيش طوال
مدة الحصار التى دامت منذ الـ 22 أكتوبر : 12 فبراير 1973 .
أما اللواء المنصورى فحدث ولاحرج وأكتب يازمان وإشهد ياتاريخ ، ولاعجب أن يلقب بالمجنون ، أما نحت هذا اللقب
فكان من طيارى العدو الاسرائيلى ، اللواء احمد كمال المنصورى هو أحد أبطال كتيبة ـ الفهود السوداء ـ التى نفذت
الطلعة الجوية الأولى فى حرب أكتوبر 1973 المجيدة ، وكان فى طليعة القوات التى عبرت إلى الضفة الغربية للقنال
قائدا لـ سرب طائرات مقاتلة ، المنصورى الذى شرفه الله سبحانه وتعالى أن يكون طرفا فى معركة فريدة فى ظروفها
.. كونها أطول معركة جوية تمت ما بعد يونيو 1967 وحتى أكتوبر 1973 ، معركة عرفت بالـ ( 13 دقيقة )
وهو الذى قام بمناورة ” الموت الأخير ” وهى المناورة التى كسر فيها كل قواعد الطيران المتعارف عليها خاصة وأن
الطائره لم تصمم أصلا لفعلها ، لقد حطم المنصورى قوانين قوة التسارع وهبط بطائرته الـ (ميج 21) من إرتفاع 3000
قدم فى مناورة تتطلب 6500قدم ، المنصورى الذى إشتبك بطائرته الـ ميج 21 مع سرب مكون من 6 طائرات فانتوم ـ
أف – 4 إي أمريكية الصنع وأجبرها على الفرار بعد أن أصاب قائد السرب رغم فارق العدة والعتاد ، وهو الذى هبط
بطائرته الـ (ميج 21) صاحبة الرقم 8040 الموجودة الآن فى بانوراما حرب 6 أكتوبر مرتين هبوطا إضرارايا على أحد
الطرق السريعه بفايد بعد نفاذ الوقود منه ولم يتركها لـ تنفجر !!
ماذا أقول غير قول الله تعالى { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } وقوله تعالى { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ
الْحَكِيمِ } .. حفظ الله مصر