عبد الناصر البنا يكتب : وجوه فى الظل
حديثى عن عبقرية وإبداع الإنسان المصرى ، وأنا هنا لست بصدد العودة إلى التاريخ القديم والحضارة التى لاتزال تبهر العالم وتدلل على عبقرية الإنسان المصرى ، ولا أتحدث عن الصناع المصريين المهرة الذين أستقدموا إلى الأستانه ليشيدوا نهضة الدولة العثمانية ، وإنما سوف يقتصر حديثى على الإنسان المصرى فى حدود الـ 100 عام الماضية فقط .
أكيد أغلبنا تابع إبداعات المصريين فى هذه الفترة القصيرة من تاريخ الوطن ، ورصد عبقريات مصرية
فى مجالات عديدة زى الطب والهندسة والصناعة والفنون بمختلف أنواعها وفى العلوم الإنسانية ..
وغيرها ، ويمكن فضل مصر إمتد إلى دول كثيرة سواء فى دول الجوار أو حتى أوربا ، وأعتقد أن ألمانيا لما بدأت فى
نهصضتها الصناعية الحديثة إعتمدت على بعض الفنيين المصريين من خريجى مدارس التلمذة الصناعية التى أنشأت
فى الستينات وهو نظام التعليم الذى فطنت إليه الدولة مؤخرا وتوسعت فى التعليم الفنى والصناعى والتكنولوجى .
ولو أخدنا مجال الفنون على سبيل المثال هتلاقى إبداعات محمود مختار التى أبهرت العالم ، وللجيل الجدبد زوروا
متحف محمود مختار فى حديقة الحرية ، انزلوا وزوروا متحف الخزف بالزمالك وشوفوا إبداعات سعيد الصدر ، زوروا
متحف الفن الحديث بالاوبرا وشوفوا إبداعات محمود سعيد وحامد عويس وحامد ندا وأعمال سيف وأدهم وانلى وأحمد
صبرى وغيرهم ، نقبوا وشوفوتا إبداعات يوسف فرنسيس وبيكار ومصطفى حسين ، زوروا مركز الخزف فى الفسطاط
وأنا أعتقد أن مصر التى أنجبت هؤلاء العظماء قادرة على إنجاب 100 محمود مختار ، وكم كانت فرحتى غامرة بعد أن
رأيت العظمة والفن فى مشروعات تخرج طلبة فنون جميلة جامعة المنيا فى النحت والله حاجه تخطف العقل بعد ان
أصابنا الإحباط لتماثيل ” مسخ ” شاهدناها فى ميادين عامة ، وبعد أن أفسح المجال لمزيفة اللوحات ” المسنودة ”
فى محطة مترو الأنفاق ولغيرها .
أما فى مجال الكتابة والشعر والتلحين والغناء كان عندنا زكريا أحمد والقصبجى والسنباطى وبليغ ورامى وبيرم وأحمد
شفيق كامل وإبراهبم ناجى وشوقى ومرسى جميل عزيز والقائمة تطول ؛ كان عندنا أم كلثوم وعبدالوهاب ونجاة
وحليم وفوزى دا غير فريد وأسمهان وورده وفايزة اللى كانت مصر بوابه الشهرة والمجد لهم فى عالم الفن
ودارت بينا الأيام وربنا كتب لنا العمر وبعد ماسمعنا رائعه شوقى ” مُضناك جفاهُ مَرْقَدُه .. وبكاه ورَحَّمَ عُوَّدُهُ ــ حيرانُ
القلبِ مُعَذَّبُهُ .. مقروح الجفنِ مسهَّدُه ” سمعنا أغنية ” شبرا وبنات شبرا .. حاسب ياخويا .. حاسب يابويا .. حاسب
ياشقيق وعاوزين ندلع دول ” وبيكا وحمو وشاكوش وناس أسماءها تقرف وهوجة فن هابط ما أنزل الله بها من سلطان
، والغريب أنه فى عصر الهيافة هناك من يقتفى أثرهم ويتتبع أخبارهم المخجلة !! .
الجرى وراء كل هذه المقدمة الطويلة يأخذنى لتأملات ومشاهد عالقة بالذاكرة كنت أود منذ فترة أن أكتب عنها ، وأنا
أقصد هنا وجوه فى الظل ممن تبتعد عنهم الشهر والأضواء وشاشات الفضائيات لأنهم جنود مجهولين لوسائل الاعلام
التى تلهث وراء الصدور العارية والأرجل المكشوفة ، والموضوعات التى لاتقدم ولا تؤخر ، أنا هنا بصدد الحديث عن
العامل المصرى الماهر الذى رصدته من خلال مشاهد يومية ، فعندما أحتجت إلى عمل صيانة لخلاط مياه أسبانى
فقدت الأمل فى إصلاحه بعد أن تلفت إحدى القطع الدقيقة فيه ، لابد أن أخفض الجبين لهذا الخراط الماهر الذى
نفذها لى بأفضل من القطعة الأصلية وهو يعمل فى الظل .
ولو ذهبت إلى السبتية فى وسط القاهره سوف تجد فى الظل صنايعيه إيديهم تتلف فى حرير ، ولا أبالغ أنهم يقدروا
يصنعوا لك طيارة فانتوم ، حاجة كده تخطف العقل ، والله عفاريت فى تشكيل الحديد ، وهناك عشرات بل مئات
الأمثلة لصناع مهره وجوههم فى الظل لا لشى إلا لأنهم فقدوا ملامحهم من صدأ الحديد والشحوم العالقة على
وجوههم وأجسادهم ، والفضائيات تحتاج إلى سفسطه ومواضيع هايفه تشغل الرأى العام !!
هذه الأسبوع كنت فى منطقة طره وتحديدا مايعرف ” بشق التعبان “معقل الرخام والجرانيت والأحجار بكل أنواعها ،
ولا أود أن أعيد الكلام عن مهارة العمال هناك ، ولكن دعونى أبدأ من البوابه الشيك جدا والكلام المنمق المكتوب
عليها وتدلل على أنها المنطقة الصناعية .. الله يامصر ، وما أن تدخل من البوابة الشيك التى للأسف كل همها
تحصيل الرسوم ، وبعد أقل من 500 متر وهى المسافة التى سوف يتحرك فيها المسئول الذى أمر ببناء البوابة سوف
تصدم بالطريق شديد الوعورة ، وهنا سألت نفسى من إفتتح هذه البوابة الشيك ألم يكلف خاطره بالتجول فى
المنطقة الصناعية للوقوف على الخدمات الموجودة بها ؟ .
سيادة وزير الصناعة وأنت رجل دينامو ، لماذا نترك مثل هذا الكنز للشركات الصينية تصول وتجول فيه وتنهب ثرواتنا ؟ ،
هذا المكان ياسيادة الوزير لايقل أهمية عن ذهب دار فور الذى تتقاتل عليه الدول ، منطقة شق التعبان يامعالى الوزير
هى المنقذ للإقتصاد المصرى ، أرجوك إذهب إلى هذا المكان ومهد لهؤلاء العمال البائسين الطرق وشبكات المياه
والصرف وغيرها من الخدمات ، ياسادة ياكرام العمال فى شق التعبان إيديهم تتلف فى حرير وللأسف بيشتغلوا فى
ظروف بالغة التعقيد ، وخلال حديثى معهم أغلبهم والله بائس فاقد الأمل فى بكره ، كم من عامل دار بينى وبينه
حديث أخوى وفتحوا لى قلوبهم بعد أن علموا أنى أعمل فى مجال الاعلام ، وكان سؤالهم الأول البلد رايحه على فين
؟ ، كل من تقابلت معهم إشتكوا من الغلاء وأنهم غير قادرين على تلبية إحتياجاتهم ومتطلبات بيوتهم ، وبالطبع كل
واحد منهم عنده أورطة عيال ، كثير منهم عاوزين يسيبوا البلد ويطفشوا ، وأنا متقمص شخصية جمال عبدالناصر
وأعطى لهم دروس فى الوطنية وريادة مصر وجوها وتاريخها ، وأننا نمر بأزمة عالمية ، لكن للأسف مش فى بالهم
الكلام المجعلص ده ، العامل عاوز ياكل ويشرب ويكفى بيته ودى كل طلباته !! .
هؤلاء العمال يعملوا تحت ضغط شديد بداية من قسوة الطبيعة فى الجبل ، مرورا بالورش التى تفتقد للأمن الصناعى
والتعامل مع معدات ثقيله ” سيارت نقل عملاقه تحمل كتل حجرية تتعدى القطعه الواحدة منها الـ 20 طن وأوناش
ومناشير عملاقة وأدوات تقطيع كهربائية ” وارد أن ينتج عنها حوادث مميته وللأسف لايوجد حتى مستوصف واحد
لنجدة من يتعرض لحادث .
اتمنى أن لايشغل المسئولين فى الدولة بالهم بالمظاهر الكدابة والتصريحات الوردية وأن ينزلوا إلى أرض الواقع ،
ياريت نجيب المسئول إللى عمل البوابة الشيك ونعمل له مكتب فى شق التعبان يباشر منه عمله يمكن ربنا يهديه ،
ياريت رئيس مجلس الوزراء يصدر قرار مفيش وزير أو محافظ يروح مكتبه إلا يوم واحد فى الأسبوع ويكون له خط سير
يومى يتابع فيه عمله فى الشارع تقريبا زى ما كنت أشوف اللواء عادل لبيب وهو محافظ قنا .
ياريت ياعم كامل ياوزير تروح شق التعبان وأنا عارفك راجل دينامو ومش هيرضيك هذا الوضع !!
نسيت أقول العمال لما سالونى عن ماسبيرو قلت لهم إدعوا له بالرحمة وربنا يثبته عند السؤال !!