محمد نبيل محمد يكتب : الاستثمار الثقافى وبناء الإنسان (٢) ..لماذا إعادة الإعمار والبناء؟

محمد نبيل محمد
المصرى الجديد هو -ذاته- المسؤول الأول عن التغيير بهدف الارتقاء بمعتقده وفكره وأحاسيسه وسلوكياته للأفضل، ولأن الخطوة الأولى فى المسير هى الأصعب وما يليها الأسهل؛ كان لزامًا أن نحدد -سويًّا- أى اللبنات أحق بأن تكون هى الأُولى والأولى، فكان بين أهم تلك اللبنات فى إعادة إعمار بنيان الرب هى ركيزة “الحب”، الذى إليه ذهب المعلمون الأوائل من الفلاسفة القدامى -محبو الحكمة. إنما قبل أن نرسى قواعد البناء الجديد للمصرى الجديد؛ علينا السؤال أولًا: لماذا يتحتم علينا إعادة البناء؟ والسؤال التالي البديهى طبقًا للتسلسل المنطقى للنهج العلمى فى التفكير هو: وما العائد من عناء التغيير؟ أو لماذا نجهد أنفسنا ولماذا لا نبقى على ما نحن عليه الآن؟ هل يذعن العقل للمتوارث من القول “اللى نعرفه أحسن من اللى ما نعرفوش”، وبهذا يدخل العقل فى سباته، يغط، ويتجمد، ويفقد سبب وجوده، ويستريح الجسد من عناء الحركة لراحة السكون، وتموت الكائنات –طبقًا لأقدارها فى البحيرة الراكدة– وينتظر كل منا أجله المؤقت بميقات نسلم جميعًا لقدره، وندعى التدين، وندين بالتسليم، حتى نترك جهلًا أو قصدًا “يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب” [الرعد: ٣٩]، وفى سفر الملوك قصة مرض حزقيا الذى تغير ميعاد أجله إلى خمسة عشر عامًا قادمة كما بشره أشعياء، وهنا معنى ودلالة، أما المعنى فواجب العمل والاجتهاد فى السعى؛ فربما كان الإخلاص فى الجهد سببًا فى تبديل الحال للأفضل، كما أن الدلالة فى الإيمان بإمكانية تغير الثابت الجامد.
ونعود للإجابة عن سؤال لماذا نسعى لإعادة بناء أنفسنا؟ وهنا يكمن سر التغيير، كما قال فلاسفة التغير والصيرورة
منذ اليونان وإسبرطة وحتى فلاسفة التنوير فى عصر النهضة بأوروبا، ومنهم مَن قال بأن الحياة كالماء الجارى يعج
بالحيوان –الحيوان جمع حياة- للكائنات جميعًا، وعندما تتوقف الحركة بالمياه تكون أشبه بالبحيرة المتعفنة التى تنذر
بموت جميع سكانها، فهكذا الحال للإنسان إن لم يسعَ لتغير ذاته للأفضل باستمرار فإن حاله المتصلب الساكن يشى
بنذر الموت والفناء، وكأن فى الحركة أسباب الوجود، ولِمَ لا؟ وقال الرياضيون بأن الصفر رقم لكنه لا يُشعر بوجوده إلا
عندما يضاف لغيره، هكذا هو الإنسان الصفرى الذى لا يسعى للتجديد ولا يؤمن بالتطوير هو كالصفر الأنطولوجى؛
موجود إنما بلا تأثير، وهو لا يضيف لوجوده قيمة إلا عندما يضاف إلى غيره، أى يتحول الإنسان إلى متواكل، ولبلابى،
وعالة على الآخرين، يتسول الفتات من غيره ويتسكع على أبواب الجيران عله يحظى بأسباب بقائه فى محاولة
لاستمرار وجوده الصفرى!، وهنا ندرك جميعًا أن التغيير هو طوق النجاة من الفناء وتبدد الوجود، وعندما نتأكد من
حتمية التغير لمواكبة طرائق الحضارة وارتيادها، ولأن التغير يأتى من داخل الإنسان ذاته وليس من خارجه؛ لذا يقتضى
الحال إعادة إعمار هذا البناء وإعادة إنعاش لبناته المشرفة على الرحيل، ونجد أن أهم تلك اللبنات هى “الحب”، الذى
عليه يتركز البناء ليطاول عنان السماء ارتقاءً، ويمسك بجذور الأرض رسوخًا، وعلى الإنسان أن يعيد تقييم ذاته ليرسم
بيده ملامحه ليست الشكلية فحسب، وإنما الباطنة أيضًا، ويعود كما كان أجداده الأصل وأصحاب الفعل وليس الشبه
والمفعول به!
وفى القادم إن شاء الله نبنى أركانًا جديدة فى المصرى الجديد نكتشف معًا أهمية البدء بلبنة الحب.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.