” السلطان عبد الحميد وفلسطين” .. دراما شعرية من فصل واحد

تأليف الدكتور  صلاح عدس

[ المنظر قاعة ضخمة في قصر يلديز .. أمام الباب المغلق جنديان .. في آخر القاعة مكتب كبير ومقعد .  لجلوس السلطان .. على يساره يقف تحسين باشا ..

وعلى يمينه علم تركيا الأحمر بالهلال والنجمة .. يقف على اليمين أحمد باشا جلال .. يقف في المنتصف أمام المكتب الباشوات الآخرون .. خلفهم مجموعة من الجنود والضباط .. الجميع في انتظار حضور السلطان عبد الحميد ] .

ـ تحسين باشا : – [يخاطب أحمد جلال الدين باشا ]

سلطاننا ما أعظمه

عبدا لخالقه

خادمًا لشعبه

مدافعًا عن أمته

ـ أحمد جلال الدين باشا

المجاهد .. المجالد .. المكابد

إمبراطورية بشخصية .. أمة وحده …

ـ تحسين باشا : المخلص في زمن الخونة ..

الصامد في زمن المحنة ..

السد الهائل وقت الطوفان ..

الحكمة في زمن الهذيان .

ـ تحسين باشا :

رحيم بشعبه

بيمناه  يمسك ميزان عدله

بيسراه يمسك سيفه

ليردي عدوه ..

ـ الوزراء : ما أعظمه .. ها قد جاء ..

ـ الجندي [ عند الباب بأعلى صوته ]

دستور ..

جلالة السلطان ..

عبد الحميد خان ..

المظفر في كل زمان ومكان

ـ الجنود : عاش السلطان عبد الحميد

دمت يا سلطاننا المجيد

دامت دولتكم للأبد ..

[ يدخل السلطان عبد الحميد بعصاه رافع الرأس بقامته الطويلة وطربوشه ويمشي في هدوء ومهابة وفي عينيه نظرات حادة فيها ذكاء وقوة شخصية «كاريزما» .. وأخيرًا يجلس على مقعده والعصا بيده ]

ـ السلطان عبد الحميد : [ يوجه الكلام لتحسين باشا]

ما أخبار الدولة ؟

ـ تحسين باشا :

مولانا السلطان

الهولنديون

منعوا الآسيويين

من حجّهم .. لبيت ربهم

بل من دخول مساجدهم

ـ السلطان عبد الحميد :

[يضرب الأرض بعضاه ويقف غاضبًا ثم يضرب بعصاه الأرض ]

فلتتحرك الأساطيل إليهم

لنجدتهم

فأنا المسئول أمام الله عنهم

[برهة صمت ثم يكمل السلطان عبد الحميد كلامه ]

ـ ماذا أيضًا عن أخبار الدولة ؟

ـ تحسين باشا :- يا مولانا السلطان

دولتنا… الله لها ..

فعليها .. تتداعى كل ذئاب أوربا وثعالبها

«كما تتداعى الأكلة على قصعتها »

ـ السلطان عبد الحميد :

واليهود .. هرتزل زعيمهم .. ماذا يريد ؟ !!

ـ تحسين باشا : يا مولانا السلطان

هو بالباب الآن ..

ـ السلطان عبد الحميد : أدخله ذاك الثعبان ..

[تحسين باشا يستدير متجهًا نحو الباب ثم يرجع وخلفه هـــــرتزل زعيم اليهود ٍ]

ـ هـــــرتزل : [ينحني للسلطان ]

مولاي السلطان .. ندعو لك ..

عبيدك اليهود .. عبيد إحسانك

يُقبَّلون التراب الذي تحت قدميك

ـ السلطان عبد الحميد : [يقاطعه ]

ما طلبك ؟

ـ هـــــرتزل : [يبدو عليه المراوغة ويتعلثم ويكرر ألفاظه ]

أعرف يا مولانا أنك ..

أنك .. تتلظى بلهيب المحنة .. أنك

أنك.. قد غرقت أحلامك في بحر اليأس الهالكْ.

ضاعت أموالك

لكني جئت أمدُّ إليك

طوق نجاتك

خذ ما شئت من الأموالْ .. أجرًا لك

ـ السلطان عبد الحميد :

ولماذا ؟

ـ هـــــرتزل :

لقاء فلسطين المأوي

وطنًا ليهود الأرض الغرباءْ والمثوى

ـ السلطان عبد الحميد : [يقف رافضًا يدق الأرض بعصاه ]

كلاّ .. كلاّ ..

مثواكم نار جهنم

ـ هـــــرتزل : لمَ يا مولانا الأعظم

ـ السلطان عبد الحميد : [يعاود الجلوس ]

اسمع يا عبد الدينار وعبد الدرهم

كل كنوز الأرض

ليس تساوي شبرًا من أرض الإسلام

ـ هـــــرتزل : كيف .. فلسطين أرضك

أنت سلطانها

ـ السلطان عبد الحميد: [يعاوده الغضب فيقف ويدق الأرض بعصاه زاعقًا ]

لست مالكًا لها

لا أستطيع بيعها

المسلمون أهلها

هم وحدهم أصحابها

ولن تمروا فوقها

إلا على رفاتنا

ـ هـــــرتزل : كيف .. كيف ؟!! [يقولها وهو يتراجع للوراء ]

ـ السلطان عبد الحميد :

خلافتنا حين تذبحونها

فلسطين سوف تسرقونها ..

ـ هـــــرتزل : كيف .. كيف ؟!! .. لا نبغي إلا وطنا يجمعنا

ـ السلطان عبد الحميد :

بل تبغون الدولة …

هذا ما قررتم في «بازل»

في المؤتمر الصهيوني الأول

أو ليس كذلك يا هـــــرتزل

ـ هـــــرتزل : [مندهشًا من قوة مخابرات السلطان ]

من أدراك بهذا ؟

ـ السلطان عبد الحميد :

أعلم ما يجري في العالم كله

حتى لو كانت دبة نملة …

لكن .. اسمع يا أبله

[يعلو صوته] .. أخبرك بكل صراحة

لن أسمح في جسم الحيْ… بجراحة

[يدق الأرض بعصاه ويقف ]

لا يمكنكم ْ استئصال فلسطينْ من جسد الأمةْ ..

ـ هـــــرتزل : [يحاول أن يتكلم وأن يكتم غيظه لكن السلطان يقاطعه  مرارًا ]

ـ يا مولانا السلطان

ـ السلطان عبد الحميد : [يقاطعه ]

الإنجليز يحرضونكم

فليأخذوكمْ عندهمْ

أمريكا واسعة تبحث عمن يسكنها

فلقد قتلوا كل أهاليها

فليعطوكم أرضًا فيها

ـ هـــــرتزل : يا مولانا السلطان

ـ السلطان عبد الحميد : [يقاطعه]

الأوربيون طردوكم من أرض الأندلس وقتلوكم أيام محاكمهم للتفتيش .. كرهوكم

لا يرضون لكم وطنًا بأراضيهم

فلماذا نحن الآن علينا أن نقبلكم

ـ هـــــرتزل : [يحاول عبثًا استرضاءه ]

يا مولانا السلطان

ـ السلطان عبد الحميد : [يقاطعه ]

لن تنالوا مرادكم للأبد

ما دامت أمتى من بعدي

ـ  هـــــرتزل : مولانا السلطان .. المجد لك

لحظة من فضلك .. أرجو عفوك

[يقدم للسلطان كآخر محاولة له حقيبة أموال بيده ]

تلك ملايين الليرات … هي لك

لتسدد دينك

ـ السلطان عبد الحميد : [ينهض زاعقًا وهو يدق الأرض بعصاه ]

دع أموالك لك

تبت يدك

لست أبيع فلسطين

ـ هـــــرتزل : يا مولاي السلطان

هذي «صفقة القرن»…

ـ السلطان عبد الحميد :

فلسطين.. أمانة في عنقي.. في عنق أمتي ..  [ينادي]

حرسْ .. خذوه [يأخذه الحرس ]

ليس لديه سوى المال

وأكاذيبٌ وأضاليل

[يوجه الكلام لتحسين باشا ]

ـ تحسين باشا : أمرك يا مولانا السلطان .. [يرفع صوته عاليًا] فلسطين ستبقى عربية إسلامية

ـ السلطان عبد الحميد :

أكتبْ هذا الفرمانْ

لا هجرة ليهود الأرض .. منذ الآنْ ..

لفلسطينْ ..

ليس لهم حق شراء أراضيها

أو بستان أو بيت فيها

ـ تحسين باشا : أمرك يا مولانا السلطان

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.