جلسات علمية.. خدمات طبية.. سلع ومنتجات بأسعار تنافسية

فياليوم الثالث للملتقى الـ 19 لتصوف البودشيشية

رسالة المغرب: مصطفى ياسين

افتتح الملتقى العالمي للتصوّف فى نسخته التاسعة عشر، تحت الرعاية الساميّة لجلالة الملك محمد السادس- حفظه الله- الذى تعقده مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية، هذا العام تحت عنوان “التصوف ومآل القيم في زمن الذكاء الاصطناعي”، فعالياته بأداء صلاة الجمعة في الجامع الكبير بمقر الزاوية البودشيشية بـ”مداغ، ناحية بركان بالجهة الشرقية المغربية، بإمامة سيدى حميدة بودشيش، وخطبته حول التقوى وصلة الرحم والإكثار من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، ووجوب احتفال الإنسانية كلها بذكرى مولده، فهو رحمة الله للعالمين.
الحالة الروحانية
وانعكست الحالة الروحانية التى يعيشها المشاركون فى الملتقى على سلوكهم العفوى، فعقب الانتهاء من تناول وجبة الغداء، انخرط سيدي د. منير القادرى- رئيس مؤسسة الملتقى، مدير المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، نائب الطريقة القادرية البودشيشية، فى وصلة مديح وإنشاد بحب سيدنا رسول الله، بمبارزة شعرية وإنشادية مع فضيلة د. محمد عبدالمالك الخطيب، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه القبلى، وشاركهما كبير منشدى الإذاعة والتلفزيون المصرى، الشيخ محمد علي جابين، والتف حولهم المحبون مرددين خلفهم “الله الله يا رسول الله”.
وانطلقت الفعاليات فى كنف العارف بالله مولاي د. جمال الدين القادري بودشيش- رضي الله عنه- ورئاسة وحضور بِشَارة العارفين سيدي د. منير القادرى- رئيس مؤسسة الملتقى، مدير المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، نائب الطريقة القادرية البودشيشية، لتجمع بين الجلسات العلمية وافتتاح معرض القرية التضامنية التى تقدم منتجات بأسعار تنافسية رمزية، بجانب الخدمات الطبية مختلفة التخصصات بالمجان.
الدور اللبرلمانى
أكد انور صبري، عضو البرلمان المغربي، أن ا‎ليوم، أكثر من أي وقت مضى، أصبح للذكاء الاصطناعي دور بارز في حياة كل مواطن. فهو يؤثر على قراراتنا، ويغير أنماط حياتنا، ويعيد تحديد مفهوم العمل والعلاقات الاجتماعية. في مواجهة هذه التحديات، من الضروري أن يكون النقاش العام حول الذكاء الاصطناعي مفتوحاً، شاملاً ومستبصراً.
‎يُعد البرلمان بلا شك أحد أبرز المواقع لهذا النقاش، حيث قمنا مؤخراً بإنشاء مجموعة عمل موضوعية مخصصة للذكاء الاصطناعي. وتتمثل مهمة هذه المجموعة في استكشاف تأثيرات الذكاء الاصطناعي، وضمان تطويره بما يتماشى مع القيم الأخلاقية، وتقديم حلول ملموسة لضمان أن تكون هذه التكنولوجيا في خدمة رفاهية جميع المواطنين.
‎وبصفتي رئيساً لهذه المجموعة، فإنني أدرك تماماً المسؤوليات التي تقع على عاتقنا. يجب أن نحرص على أن يكون الذكاء الاصطناعي ليس فقط قوة للتقدم التكنولوجي، بل أيضاً حليفاً لإنسانيتنا، يحترم ويعزز القيم الروحية التي توحدنا.
‎المغرب، بفضل موقعه الاستراتيجي كنقطة التقاء بين الشرق والغرب، بين الشمال والجنوب، قادر على تقديم مساهمة ثمينة في هذا الحوار. لدينا الفرصة والواجب لإظهار كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحسن ليس فقط ظروف حياتنا، بل أن يعمق أيضاً فهمنا للروحانية ويعزز إيماننا بمستقبل مشترك.
‎أود أن أشكر المنظمين على هذه الدعوة، وآمل أن تفتح مناقشاتنا اليوم آفاقاً جديدة لدمج أفضل للذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسانية، مع الحفاظ على القيم التي تشكل إنسانيتنا.
الواقع والمأمول
وحملت الجلسة الخامسة عنوان “التصوف وتداعيات الذكاء الاصطناعي.. مجالات التداخل وآفاق التدخل” برئاسة د. جمال الفاروق عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر، الذى اوضح أن العالم متغير بشكل مستمر، والعولمة تطور لها نتائجها، وعلينا التفرقة بين العولمة ونتائجها المتغيرة، والتصوف يراعى الخلق الكريم، التأدي مع الخلق، وتزكية النفس والتحلى بالفضائل، وحسن الخلق مع الخلق اجمعين، هو عبم يبحث عن السلوك والأخلاق، والزهد والإقلال من متع الحياة الفانية، فكيف يكون مآل القيم والأخلاق فى ظل هذا الوضع المتسارع؟
التصوف اهتم ببناء الإنسان، وحب الله والإحسان للجار، وبذلك يقف على المشترك البشرى، وهو الخطاب الأمثل لمخاطبة العالم حتى الملحد، فالحب عطاء متجدد لمواجهة التطرف والتعصب، والتصوف الصحيح يترجم القيم الأخلاقية والإنسانية، ويمتلك النموذج الأمثل، فهو ابعد الناس عن التكفير والقسوة.
وتحدث د. إبراهيم ينلمقدم، عضو الرابطة المحمدية للعلماء المغرب،، عن واقع المعاملات المالية المعاصرة زمن الذكاء الاصطناعي.
وأشار د. الهاشمى الجمنى، إمام وخطيب وباحث في الفكر الاسلامي بتونس، إلى علاقة التصوف بالذكاء الاصطناعي.. الإيجابيات والمحاذير.
واستعرض د. محمد المهداوى، مدير المعهد الجامعى للتعليم الديني “العتيق” بوجدة، الأفق الصوفى وتحديات الذكاء الاصطناعي.. نحو منهج متوازن تتعايش فيه التكنولوجيا والقيم.
وعرض د. فؤاد مسرة، استاذ القانون بجامعة محمد الخامس بالرباط، للتحديات القانونية والأخلاقية للذكاء الاصطناعي.
التحديات الأخلاقية
وجاءت الجلسة السادسة متناولة التحديات الأخلاقية في عصر الذكاء الاصطناعي.. نظرة إلى المستقبل، برئاسة د. محمد المصطفى عزام، الاستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، وأشار فيها د. محمد بوبكرى، المتخصص فى التأطير الروحى داخل المؤسسة الإصلاحية بوزارة العدل الألمانية، إلى المنظومة القيمية بين الذكاء الاصطناعي والتصوف.. الأرضية والأفق.
فيما أوضح د. عبدالرزاق تورابى، الاستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، مفهوم الكرامة والاستقامة في عصر الذكاء الاصطناعي.
التصوف والقيم
قال د. محمد عمر سيد باعلوي، عميد برنامج الدراسات العليا بجامعة الأم العالمية، أمين عام لمجلس علماء الصومال: التصوف، ذلك المصطلح الذي يثير في الأذهان معاني الروحانية والسمو النفسي، والذي يعتبر مدرسة فكرية وروحية في الإسلام تسعى إلى تزكية النفس وتحقيق القرب من الله تعالى.
أشار إلى أن التصوف ليس بعيدًا عن جوهر الإسلام وتعاليمه، بل هو جزء لا يتجزأ من الدين يركز على البعد الروحي والأخلاقي للمسلم. فالتصوف يعمق فهمنا للإسلام من خلال التأمل والتفكر والعبادة الخاشعة التي تعزز الصلة بالله.
وأكد “باعلوى” أن أهم القيم الأخلاقية في التصوف، التقوى: هي الأساس الذي يبنى عليه التصوف، ولا يقبل الله إلا من المتقين، قال تعالى: {قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧)}، مستشهداً بقول الإمام الغزالي رحمه الله: اعلم: أن خيرات الدنيا والآخرة قد جمعت تحت خصلة واحدة وهي التقوى، وتأمل ما في القرآن مِن ذِكرِها كم علق بها من خير وكم وعد عليها من ثواب وكم أضاف إليها من سعادة. ثم اعلم أن الذي يختص به هذا الشأن من أمر العبادة ثلاثة أصول: الأول: التوفيق والتأييد أولا حتى تعمل وهو للمتقين، كما قال اللّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا}.
والثاني: إصلاح العمل وإتمام التقصير حتى يتم وهو للمتقين، كما قال اللّه تعالى: {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ} [الأحزاب: ٧١] .
والثالث: قبول العمل إذا تم وهو للمتقين، كما قال اللّه تعالى: {إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧]. ومدار العبادة على هذه الأصول الثلاثة التوفيق والإصلاح والقبول. فهي الخوف من الله تعالى والعمل بما يرضيه والاجتناب عما يغضبه. يقول الإمام الغزالي: “إن التقوى هي حصن المسلم من كل سوء”.
الصبر: هو التحلي بالصبر على المصائب والابتلاءات والعمل الصالح. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: “مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: ‌كُنْتُ ‌سَمْعَهُ ‌الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ”.
الشكر: هو «الاعتراف ‌بنعمة ‌المنعِم على وجه الخضوع. »
قال تعالى: “وَقَلِيلٞ ‌مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ” [سبأ: 13-14]
التواضع: هو الاعتراف بنقص الإنسان وعدم التكبر على الآخرين. يقول النبي صلى الله عليه وسلم «‌من ‌تواضع ‌للَّه رفعه اللَّه يوم القيامة،».
الرحمة: هي التعاطف مع الآخرين ومساعدتهم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «‌الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ،ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ».
ومن هنا، نجد أن القيم الأخلاقية تشكل جوهر التصوف ورسالته. فالصوفي يسعى دائمًا إلى تحقيق الأخلاق الفاضلة كالصدق، الإخلاص، الحب، التواضع، الصبر، والرضا. ويعتبر أن تحقيق هذه الأخلاق يمثل الطريق الأمثل للتقرب من الله تعالى، لأن الله جميل يحب الجمال، والجمال ليس فقط في الشكل الخارجي، بل في الأخلاق والسلوك.
إن تطبيق القيم الأخلاقية في حياة المسلم ليس مجرد تزيين للسلوك الخارجي، بل هو عملية تزكية داخلية تعيد تشكيل النفس وترقيتها. فالصوفي يرى في كل تصرف فرصة للتقرب من الله، وفي كل لحظة فرصة للتأمل والتفكر في خلق الله وعظمته.
ومن أبرز ما يميز التصوف هو التأكيد على محبة الله ومحبة الخلق، فالمحبة هي الأساس الذي يقوم عليه التصوف، وهي التي تدفع الصوفي لتحقيق أعلى درجات الأخلاق، فعندما يحب الإنسان الله حبًا صادقًا، يسعى جاهدًا للتقرب منه من خلال التزامه بالقيم الأخلاقية والسلوكيات الحميدة.
وأكد “باعلوى” أن التصوف والقيم الأخلاقية متلازمان لا يفترقان، فالطريق إلى الله مزين بالأخلاق والفضائل. ولعل في تحقيق هذه الأخلاق والعيش وفقها، نجد السلام الداخلي والسعادة الحقيقية التي يسعى إليها كل إنسان.
وقدم د. رياض بازو، نائب رئيس الاتحاد العالمي للتصوف، تعريفاً مفصلاً عن القيم الروحية والأخلاقية في زمن الذكاء الاصطناعي.
ونبه د. عكاشة بن المصطفى، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الأول بوجدة، إلى أثر الذكاء الاصطناعي على قيم التعليم.. توسيع للذكاء أم تقليص لمجالات الإبداع؟
هذا ويواصل الملتقى فعالياته غداً السبت وحتى الاثنين المقبل، لكن شهر الفرح والسرور برسول الله يظل مستمراً حتى يوم الجمعة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.