عبد الناصر البنا يكتب : العريش .. من تانى !!

عبد الناصر البنا

فى مثل هذا التوقيت منذ سنتين تقريبا كتبت عددا من المقالات بعنوان 72 ساعة فى العريش ، عرضت خلالها مدينة العريش”موقع وسكان وطبيعة ساحرة وشاطىء خلاب هو ملك لك وحدك ، وأشجار نخيل مثمرة وأنشطة ومشروعات قومية كبرى أرى أنها تسير ببطء شديد على غير العادة ، وربما تكون الإحداث ” الجسام ” التى مرت بها محافظة شمال سيناء الذى تبدل اليوم إلى أمن وأمان ، جعلت الحكومه تتحسس موضع قدمها وتعمل ألف حساب لكل خطوة تخطوها .. ربما !!

كانت زيارتى السايقة للعريش هى الثانية بعد مرور مايقرب من الـ 17 عاما على زيارتى الأولى لمحافظة شمال سيناء فى عام 2005 تقريبا ، وبما أن الإنطباع الأول يدوم ، بقيت الحفاوة والكرم وحسن الإستقبال محفورة فى الذاكرة ، كصفات متأصلة فى أهالينا من شبه جزيرة سيناء الحبيبة ، وسيناء كما نعلم هى أرض الفيروز ، وهى الأرض التى إرتوت بدماء المصريين فى مختلف العصور والأزمنة ، وهى بوابة مصر الشرقية ، البوابة التى دخل منها كل الغزاة تقريبا على مر التاريخ ، وعلى ذكر التاريخ كانت مصر الكنانة هى ” مقبرة ” لكل هؤلاء الغزاة ، سأل ” هنرى كيسنحر ” السادات منذ متى وسيناء مصرية ؛ رد عليه السادات سوف ارسل لك صورة من رسالة على ورقة بردى عمرها ٤٠٠٠ سنه من جندى مصرى لزوجته يقول فيها اكتب لك من العريش حيث احمى حدود الوطن من اللصوص والرعاع ؛ وقد صدق شاعر النيل حافظ إبراهيم عندنا قال ” كم بغت دولة عليّ وجارت ثم زالت وتلك عقبى التعدي إنني حرة كسرت قيودي رغم أنف العدا وقطعت قيدي” !!

دعونى فى البداية أصدقكم القول ونحن نسعى لأن تكون بلدنا مصر فى مركز الصدارة دوما ، أن العريش التى رأيتها اليوم غير عريش الأمس ، ويكفى أنها تنعم بنعمة الأمن والأمان ، وأن أهلها فى رضا تام بما هم فيه ، حتى وإن كان من إلتقيتهم سواءا من الباعة أو سائقى التاكسى أو حتى المواطنين العاديين من الشباب كانت لهم مطالب مشروعة ، وهى إيجاد فرص عمل أكثر للشباب مطالين التوسع فى المشروعات وإقامة المصانع التى تستوعب الأيدى العاملة ، وأنا أعلم أن سيناء محط أنظار القيادة السياسية ، وأن الإستثمارات التى تحققت على أرض الواقع تجاوزت الـ 15 مليار جنيه بعد أن كانت 2 مليار فقط فى 2014 ، مع تأكيد الدولة على أنها سوف تكون قاطرة التنمية لقيادة مصر إلى المستقبل .

وهذه ليست شعارات فهناك خمسة أنفاق تربط سيناء بالوادى ، وتم تنفيذ 63 مشروعا للطرق والكباري و 52 مشروعاً بقطاع مياه الشرب ، و 25 مشروعا بقطاع الصرف الصحي . كما شلمت جهود تنمية سيناء تنفيذ 92 مشروعا لزيادة القدرات الكهربائية ، وإنشاء 17 تجمعاً تنموياً متكاملاً ، وإنشاء 12 ألف وحدة إسكان اجتماعي وإنشاء 8 جامعات جديدة ، وتنفيذ 75 مشروعاً صحياً ، بالإضافة لتطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل ، واستصلاح 275 ألف فدان ، إلى جانب المشروعات الزراعية الضخمة التي تستهدف إضافة 610 فدانا إلى الرقعة الزراعية المصرية وربط سيناء بالدلتا .

الشىء الإيجابى فى هذه الزيارة كانت سهولة إجراءات الدخول والخروج من وإلى مدينة العريش عن المرة السابقة التى كان يفصلها على الأحداث التى شهدتها شمال سيناء مدة قصيرة ، سهولة الإجراءات تسمح لك عزيزى القارىء بقضاء أوقات ممتعة بين أحضان الطبيعة البكر على شواطىء العريش الساحرة التى تمتد لمسافة 10 كم على شاطى البحر المتوسط بدءا من المساعيد التى تتميز بظلال نخيلها غربا ، مرورا بوسط المدينة ، حيث شاطئ ” الأيوبى وغرناطة” وصولا إلى شاطئ أبو الصقل ثم شاطئ الريسة ؛ علما بأن الدخول إلى شاطىء العريش بالمجان لأهالى المدينه وزوارها .

كثير من رواد منصات التواصل الإجتماعى والـ Social Media وأنا تولد لدينا موجة من الإستياء الشديد من تصريحات أحمد موسى ” المستفزه” وغيره من محدثى النعمة ، والتى تزامنت مع حملة الترويج للساحل الشمالى ومدينة العلمين الجديدة ، وهو يخاطب عامة الشعب ممن يكتوون بنار الغلاء ، وبمنتهى البلاهه يقول تقدر تروح تستأجر لك فيلا أنت وأسرتك تقضى لك أسبوع بمبلغ 850 الف جنيه فقط . ولذلك أقول لهذا المغيب وأمثاله من حملة المباخر ولاحسى الأحذية يمكنك عزيزى القارىء أن تأتى إلى العريش وأحذف مايحلو لك من أسفار هذا الرقم ؛ خاصة لو علمت أن أجر الليلة الواحدة فى شالية على شاطىء العريش لايتجاوز الـ 500 جنية !!

فقط المطلوب من الدولة أن تسرع من وتيرة العمل وأن تجعل من شاطىء العريش قبلة لاتقل أهمية عن العلمين والساحل الشمالى وبقية الشواطىء المصرية ، وأنا أعلم أن إشارة واحدة تكفى لتطوير شاطىء العريش ، وبقى أن أشير إلى أن الزيارة هذه المرة كانت عائلية لحضور إحدى المناسبات الإجتماعية ” حفل زواج ” وكنا أسرة واحدة ، وكانت هناك مرونة كبيرة فى إجراءات الدخول ، نعم هناك حزم ولكن بدون تعسف ، حتى الأكمنة التى مررنا بها ، كان تعاملهم معنا بمنتهى اللطف والرقى ، ولم نتوقف كثيرا فيها وآخرها ” كمين الميدان ” قبل مدخل مدينة العريش ، وقد توقفنا لوقت قصير حرصت خلاله أن أجرى حوارا قصيرا مع بعض ضباط الشرطة الشبان فى الكمين ، بادلتهم خلاله التحية والتقدير لمجهوادتهم العظيمة فى خدمة بلدهم ، وربت على أيديهم ودعوت لهم بالسلامة .
وبالنظر إلى الحالة الأمنية داخل مدينة العريش هى أفضل كثيرا ، وقد إختفت تماما الأكمنة الثابتة ، بإستثناء بعض الدوريات الليلية التى يرى فيها الأهالى أنها تبعث برسالة طمأنينة لهم ، المواطن العرايشى حتى من انخرط من أهل فلسطين معهم يمارسوا حياتهم اليومية وهم فى غاية الرضا والسعادة ؛ ولايحب أحدهم أن يتذكر الأحداث التى مرت بها مدينتهم وقد طويت وأصبحت شيئا من الماضى .

وفى هذا المقام يطيب لى أن أتقدم بالشكر والعرفان لبعض أصحاب الفضل ممن يؤدون عملهم بإحترافية وتفانى دون إنتظار لـ مجرد الشكر من أحد ، وأخص بالذكر المستشار عدلى اليمانى إبن محافظة الإسماعلية الأصيل ، زميل الدراسة فى جامعة المنصورة العريقة ، الذى شغل مناصب عدة فى الدولة كان آخرها نائبا للمحافظ فى قطاع وسط سيناء ، وأحمد الله أن تواصلنا لم ينقطع طوال السنوات الماضية منذ حصولنا على المؤهل الدراسى عام 1987 م ، حتى وإن غربتنا الأيام . وأخص أيضا الصديق الأصيل شيخ مشايخ سيناء النائب السابق فى البرلمان المصرى الشيخ سلامة الرقيعى إبن أكبر عواقل سيناء ، المثقف الفيلسوف والأديب والمفكر والخطيب المفوة ، وباحث الدكتوراة فى التراث والبيئة ــ الحاصل على دراسات عليا من جامعة العريش ؛ وقد لاتكفى مجلدات عن فضل هذا الرجل ، وما أكنه له من تقدير وإحترام ، وقد أشار على بالتنسيق والتواصل مع قيادة المجرى الملاحى لتسهيل مهمتنا .

أما سيادة العميد صالح عامر القيمة والقامة الكبيرة والمسئول عن أمن المجرى الملاحى لقناة السويس فلن أستطيع أن أوفيه حقه ، هذا الرجل تستطيع أن تقول عنه بكل أريحية أنه الرجل المناسب فى المكان المناسب ، فأنا والله لا أعرفه ولم أكن أتخيل تلك الإستجابة الفورية من سيادتة ، وأنا أعلم حجم المسئوليات الجسام الملقاه على عاتقهم ، وقد حرص بنفسه على التواصل معى بمجرد أن أرسلت له نسخة من دعوة الفرح ، وعلى الفور طلب منى تحديد مكان العبور ، فأبلغته أنه من نفق الإسماعلية ، وجاءت إجراءات الدخول فى سهولة ويسر ، والحق أقول أن سيادة العميد لم يكتفى بتسهيل الإجراءات ، التى أصبحت أسهل بكثير عن ذى قبل ، وإنما حرص على الإطمئنان علينا بنفسه حتى وصولنا إلى مدينة العريش .. شكرا سيادة العميد .

ولك عزيزى القارىء أن تعلم أنه قبل الدخول إلى نفق ” تحيا مصر ” بإلاسماعلية هناك نقطة تفتيش تابعة للقوات المسلحة من خلال جهاز الكشف عن الحقائب ، وبعدها هناك فريق مكلف أعتقد أنه من الأمن الوطنى بالتحقق من شخصيتك من خلال بطاقة الرقم القومى والسماح لك بالمرور ،

لا أمل من الحديث عن الصورة النمطية التى كانت تنقلها لنا وسائل الاعلام عن سيناء ، صورة كان فيها كثير من الظلم والتجنى على أهالينا فى سيناء وكانت بعيدة كل البعد عن الحقيقة ، فالصورة على أرض الواقع مغايرة تماما ، فقط أخرجوا من بروجكم العاجية وأنشروا الأمل على أرض تلك البقعة الواعدة من أرض مصر .. حفظ الله مصر

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.