الدكتور علاء رزق يكتب: ديناميكية الأثرياء وإستاتيكية الفقراء (٢)

الدكتور علاء رزق
تناولنا فى المقال السابق أن ثروات المليارديرات واصلت النمو بقوة مؤخراً، ليرتفع العدد الإجمالي لأعضاء نادي الـ 100 مليار دولار إلى 15 شخصاً للمرة الأولى في التاريخ.وإن الضحية الأولى لهذه الديناميكية هي الطبقة الوسطى في العالم التى ثبتت مكانها عكس الطبقة الفقيرة التى زادت دخولها ولكن بصورة لم تمكنها من عبور دائرة الفقر.وقد أكدت الكثير من الدراسات والتجارب على الآتى،أن العلاقة العكسية بين الثراء والفقر، لا تبدو عشوائية، فالثراء هو التفسير الأول لزيادة الفقر على مستوى العالم فمقابل ولادة ملياردير واحد كل 30 ساعة، يسقط مليون شخص فى دائرة الفقر. وأن يزداد عدد أثرياء العالم بنسبة 27% بنهاية عام 2024،والملفت للنظر أن أكثر أغنياء العالم ثراء إستحوذوا على حوالي ثلثي إجمالي الثروة الجديدة منذ عام 2020 وقيمتها نحو 42 تريليون دولار،وفي الوقت الذي يضاعف فيه عشرة أغنى رجال الأعمال ثرواتهم تنخفض قيمة الدخل لدى 99% من البشرية.
لذا جاء تقرير المصرف السويسري Credit Suisse أن 82% من مجموع الثروة الجديدة التي تم إنتاجها في عام 2018
ذهبت إلى أرصدة شريحة ال ١% العليا. ولم يكن لشريحة النصف الأسفل من البشرية نصيب من هذه الثروة.ويفسر
ارتفاع التفاوت في الدخل والثروة
بمجموعة العوامل، منها،ركود الأجور وإنخفاض حصة العمالة من الدخل، والتواري التدريجي لدولة الرفاة في
الاقتصادات المتقدمة النمو،وعدم كفاية الحماية الإجتماعية في الدول النامية،والتغييرات الضريبية،ورفع القيود
التنظيمية عن الأسواق المالية،والتغير التكنولوجي السريع والاعتماد على العمل الآلي. ورغم أن أرقام الثروة التي
تعلن في مصر قد تمثل نجاح لبرنامج الإصلاح الإقتصادي، والذي وفر فرص الثراء للمجتهدين. ولكن لا يجب أن نغفل
أرقام الفقر في مصر التى ستقلل إلى حد ما الإحساس بهذا النجاح.
وبالتالى يجب تعزيز مفهوم العدالة الاجتماعية وتخفيض نسب اللامساواة، فقبل عام 1800، كان الجميع تقريبا من
الفقراء. كانت الأنظمة الملكية سائدة، وكان هناك كبار ملاك الأراضي ، لكنهم كانوا أقلية صغيرة جداً، وكان كل فرد
آخر تقريباً يعيش في فقر. وكان كل إنسان يعيش مرتبطاً ارتباطاً شديداً بأرضه. وكان هذا هو تاريخ البشرية أيضا. ثم
حدثت بعض التغيرات الهائلة.فكل ملياردير هو عنوان لفشل السياسات العامة. وكسبيل لمحاربة الفقر يجب خفض
عدد الأثرياء إلى النصف بحلول عام 2030 بفرض نظام الضريبة التصاعدية على الثروة الدائمة ورأس المال،بما يدر
حوالى 1500 مليار جنيه سنوياً سنوياً، وهو مبلغ كاف لإنتشال أكثر من 25 مليون شخص من براثن الفقر فى مصر.
وبالتالى فإن العمل على مكافحة عدم المساواة يجب أن يكون نابعا من السياقات القطرية والضرورات الاقتصادية
ومميزات الواقع السياسي.فلا مجال للكلام عن حل واحد صالح لكل زمان ومكان.وإن الرفع من مستوى الوعي
وتوسيع نطاق التأييد للسياسة العامة للدولة، واختيار أهداف النفقات العامة وإعادة ترتيب أولوياتها للحد من عدم
المساواة في التمكين والفرص، مع إعادة توجية الأطر الضريبية وأطر المالية العامة للحد من التفاوتات في الدخل
والثروة بين الأجيال وداخل أبناء الجيل الواحد، وإدارة التغير التكنولوجي السريع، إنما هي أمور ستظل بالغة الأهمية
لمكافحة آفة عدم المساواة بجميع أشكالها ومظاهرها.كذلك أشارت بعض الدراسات أن الأشخاص الأثرياء للغاية هم
أكثر عرضة لإظهار ميول سلوكية نحو الترويج للذات، والبرودة العاطفية، والازدواجية، والعدوانية،ولديهم احتمالية أكبر
للانخراط في سلوكيات غير أخلاقية مختلفة.وبالتالى فإن حماية المجتمع أمر لا يجب أبدا أن نهمله.لان العالم مترابط
جدا، ولذا يتعين علينا تأمل آفاق مستقبله، وكذلك آفاق مستقبلنا.
كاتب المقال رئيس المنتدى
الإستراتيجى للتنمية والسلام
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.