عبد الناصر البنا يكتب : فيلم حياة الماعز .. The Goat Life !!

عبد الناصر البنا
أعتقد أنه ليس هناك من أحد فى برالمحروسة لم يعبر عن فرحته بمشاهدة الفيلم الهندى ” حياة الماعز ” نكاية فى تركى آل الشيخ ، والسبب يكمن فى شخصية السعودى ” النصاب ” إللى إعتبرها المصريين رد فعل غير مباشر على فيلم ” النونو ” الكوميدى الذى يجسد فيه أحمد حلمي شخصية نصاب محترف ، وكان الفيلم الهندى هو أفضل رد على المستشار الذى يبذل الغالى والنفيس من أجل تشويه صورة مصر أو على الأقل سحب البساط من تحت أقدامها ، تارة بخراب الرياضة ، وأخرى بإستمالة بعض الفنانين المصريين من ضعاف النفوس ، وأغراءهم بالمال من أجل تقديم أعمال دون المستوى ، وبتدخله السافر فى الفن ومحاولة إنتاج أفلام تظهر المصريين وكأنهم حراميه ولصوص مثل فيلم ” أولاد رزق ” وغيره .
على أرض الواقع هناك عشرات بل مئات من الأقلام التى تناولت فيلم ” حياة الماعز ” المأخو عن رواية ” أيام الماعز ” المبنيه على قصة حقيقية تعود إلى فترة الثمانينات وبداية التسعينات ، وهى لشاب هندى إسمه ” نجيب ” هو الآن على قيد الحياة ، وقد باع كل مايملك لكى يسافر إلى المملكة العربية السعودية للعمل بوظيفه عامل فى إحدى الشركات ، مع صديق له إسمه ” حكيم ” ، وفى المطار أوقعه حظه العثر فى شيخ سعودى لايرحم ، جسد دورة بإقتدار الفنان العمانى ” طالب البلوشى ” ، وأوهمهم بأنه الكفيل ، وأخذهم معه ، ووضع حكيم فى المزرعة ، وأخذ نجيب معه وأجبره على العمل ” راعى غنم ” أسيرا فى صحارى المملكة الموحشة بدون راتب أو علاج أو إستحمام أو طعام سوى الخبز والماء ، ولايعلم أين هو ، ولايجيد حتى لغة أهلها ،
فكره الفيلم بدأت منذ حوالى 16 عاما ، وتمت كتابة السيناريو منذ 10 سنوات ، وبدأ التصوير منذ 6 أعوام ، بطل الفيلم ممثل هندى مغمور تعمد أن يزيد وزنه لـ 96 كيلو جرام ليكون فى الحالة التى كان عليها صاحب القصه قبل سفره ، وتقلص وزنه فى نهاية الفيلم لـ 67 كيلو جرام ليعطى أكثر واقعيه للفيلم المغرق أصلا فى الواقعية فى أبهى صورها رغم بساطة تكلفه إنتاجه ، ووصفه بأنه من أكثر الأفلام بؤسا وحزنا وكآبه ، وأعلاها تشويقا مما قد يؤهله للأوسكار مستقبلا .
الفيلم أحدث حالة من الجدل غير عاديه فى منطقة الخليج وخاصة فى السعودية ، وقد وجدت نفسها فى مأزق كونها تحاول أن تجمل صورتها أمام العالم ، وتظهر بوصفها بلد الحريات ، وقد أطاحت بالوهابية وفكرها المتشدد ، وكانت سببا فى غضب الطبقة المحافظة فى المجتمع السعودى ، كما ألغت نظام الكفيل الذى كان سببا فى تعرضها للنقد ، وأعطت الكثير من الحقوق المنقوصة للمرأة مثل الخروج إلى العمل وقيادة السيارة .. وغيرها
الفيلم يكشف أسوا مافى نظام ” الكفيل ” الذى كان معمولا به فى المملكة منذ سبعينيات القرن الماضى ، وهو النظام الأقرب إلى العبودية أو الرقيق الذى حرمه الاسلام ، وهو يظهر مدى بشاعة المعاملة التى تعرض لها هذا العامل المسكين طوال 4 سنوات ، تعرض خلالها لكل أنواع الظلم والقهر والمعاملة التى تفتقد إلى الإنسانية ، وفيها الكثير من الإنتهاكات لحقوق الإنسان التى فضحتها تقارير لمنظمات حقوقية عالميه مثل ” هيومان رايتس ووتش ” .. وغيرها .
واقعية الفيلم كونه تجسيد حقيقى للمعاناه والأهوال التى تعرض لها الهنديان فى صحراء الجزيرة العربية منذ لحظه
وصولهما المطار ووضعهم فى صندوق سياره نصف نقل ، نقلوا فيها كما تنقل الدواب والماشية ، وحتى هروبهم
بمساعدة أحد الأفارقه ، والأهوال التى تعرضوا لها أثناء محاولة الهروب فى الصحراء ، من توهان وعطش ورمال
متحركة وعواصف رملية ، أدت فى النهاية إلى موت أحدهم فى الطريق ، إلى أن يصل إلى الشرطه تمهيدا لترحيله
إلى بلده ، وتأتى المفاجأه عندما يحضر إلى التوقيف الكفيل ليستلم العامل الذى هرب منه ، ويهمس فى أذن نجيب
لو كنت على كفالتى كنت رجعتك معى زى الكلب !!
فيلم ” حياة الماعز ” الذى يذاع على منصه نتفلكس” Netflix” وفى كل أرجاء الوطن العربى ، أصبح تريند على الـ
Social Media وقد تضاربت الآراء حوله فهناك من يراه فيلما جيدا ، وآخرين يروا أنه صنع خصيصا لمهاجمة المملكة
العربية السعودية ، رغم أنه يحكى عن حقبة زمنية كان الكفيل يفعل فيها مايحلو له ، ورغم أن المملكة قد ألغت نظام
الكفيل ، ورغم أن شخصية الكفيل النصاب تمثل حالات فردية فى المجتمع السعودى ، ولاحظ أن من أنقذ البطل فى
النهاية كان مواطنا سعوديا ، والسؤال : هل يمكن أن يكون فيلم حياة الماعز سببا فى حدوث أزمة بين المملكة
والهند ؟ قولا واحدا لا أعتقد !!
فالسعودية اليوم هى ليست السعودية التى يحكى عنها الفيلم الهندى ، بل وأن هناك أفلاما أنتجتها السعودية تنتقد
أوضاعا إجتماعية بعينها ومنها فيلم ” آخر سهرة فى طريق ر ” وهو فيلم للكبار +18 وهو من إنتاج 2024 ويحكى عن
التحولات الإجتماعية والإنفتاح فى المملكة وهو فيلم ملىء بالإيحاءات الجنسية والإنتقادات للمجتمع ، ولم يتم منع
عرضه . وأعتقد ان ” طاش ماطاش ” كان أكثر إنتقادا لأوضاع إجتماعية بعينها فى المملكة .

لكن الشىء الذى ظل يشغل تفكيرى لفترة طويلة حتى قبل أن يرى هذا الفيلم النور ، أنه لم يجرؤ كاتب عربى أو

صحفى مصرى ممن تحدث عنهم السفير ” أحمد قطان ” سفير المملكة السابق فى ج.م.ع والمستشار فى الديوان
الملكى السعودى ، وعميد السلك الدبلوماسى ، ووزير الدولة لشؤون الدول الأفريقية خلال مقابلة معه على قناه
العربية ، ممن تربوا على مائدته ، لم يجرؤ أحدا منهم على كتابه حرف واحد عن نظام ” الكفيل ” فى المملكة العربية
السعودية ، ولم يجرؤ واحد من كتاب الدراما أن يكتب سيناريو ولو لفيلم قصير يتناول هذا الموضوع من قريب أو بعيد .
وهناك المئات بل الآلاف من القصص التى تفوق رواية ” أيام الماعز ” حدثت مع عمال مصريين ذاقوا الويل والهوان مع
هذا النظام الجائر ، وقد شاهدت بعينى رأسى دعاوى وشكاوى فى مكتب العمل فيها من الإنتهاكات الكثير لعمال
ممن يعملون فى المزارع بعيدا عن أعين الدولة .
ولصناع هذا الفيلم أقول الفيلم رغم بساطته وكآبته ، هو حجر حرك المياه الراكدة !!
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.