محمد نبيل محمد يكتب : الأمن الثقافى (١٠) .. ثقافة الانتصار بين الأصالة والحداثة
ذهبنا معا إلى أن الثقافة أعمق وأشمل فى مفهومها من مفهوم (الحضارة) و(المدنية) و(المعرفة)، بل إنها تفوق فى صفاتها تلك المفردات التى هى من الممكن أن تكون بعضًا من عناصرها.
وهذا الأمر يدعونا إلى البحث فى ترادفات تالية، وهى: (الرفاهية) و(التقدم) و(الحداثة) و(الأصالة) و(التراث) و(المعاصرة) و(التنوير) و(النسبية) و(العقلانية)… وغيرها الكثير مما يشتبك اختلافًا واتفاقًا مع مفهوم (الثقافة).
ومن هنا يتضح اتفاق -بشكل ما- نتاج الجهد الإبداعى للعلماء والمفكرين والفلاسفة حول مفاهيم “الحضارة” و”المدنية” و”المعرفة”، وأنها تشكل خطوط تماس وجوهر متقارب فى المضمون إلى حد كبيرمع مفهوم “الثقافة”، إلا أنها -تلك المفردات- تعد كل واحدة منها جزءًا من مفهوم “الثقافة”، فلم يقدم العقل البشرى مفهومًا ضامًّا وحاويًا عن “الحضارة” أو “المدنية” أو “المعرفة” لمفهوم “الثقافة”، فكل –أو غالبية- ما أنتجه العقل نحو المفاهيم تلك ما هو إلا بعض من مفهوم “الثقافة”، وطبقًا لنظرية (الكل والجزء) التى يحدثنا عنها علم المنطق؛ فإن “الحضارة” و”المدنية” و”المعرفة” هى أجزاء من كليات “الثقافة”، وبهذا التسليم المنطقى والعقلى يكون مفهوم “الثقافة” أعمق -إبداعيًّا- وأكثر اتساعًا وشمولًا -فكريًّا- من تلك المفردات الجزئية والتابعة فى فلك “الثقافة”، وهى “الحضارة” و”المدنية” و”المعرفة”.
ولعل ما دعا اليه أنتونى جرامتشى فى (كراسات السجن) عن دور المثقف العضوى فى العناية الدقيقة بقضايا واقع
مجتمعه وهمومه وآمال مستقبل هذا المجتمع ، كان مقتضى الحال يحتم التقاط بعضا من ملامح الشخصية المصرية
فى المنافسات الاوليمبية (باريس ٢٠٢٤) اذ ان الظاهر والمتفق عليه – شكلا- ان ذهب المنافسات راح إلى هذه
الدول بعينها التى كانت تعتبر بأفضلية الجنس الأبيض عن غيره من الأعراق الملونة، بل وغالت فى الاعتقاد والترويج
الى تصنيف هؤلاء أصحاب الوجوه السمراء (أصل الأجناس) والصفراء وغيرهما الى المرتبة التالية للبيض فى الأدمية
والإنسانية ، ولما كانت الدول تتسابق فى مارثون التخلص من الاحتلال بدءا من ستينيات القرن الفائت ودخول لاعبيها
فى منافسات القوة والسرعة وغيرهما من أمهات الألعاب الأوليمبية وبدأت أعلام دولهم الناشئة تناطح أعلام دول
الاحتلال فى سماء البطولات ، هنا انفضحت نوايا لاحتلال من جديد فبعد ان كان جل أهدافهم استنزاف ثروات
الشعوب من الموارد الطبيعية زاد عليها احتلال الإنسان نفسه وقدراته الذهنية والنفسية والمادية، وبدأ الترويج لأمر
جديد عن جنة الأرض (امريكا) وأرض الاحلام ، ودمج الملونين فى الواقع المجتمعي ، وتناقل ثقافة الدمج العرقى،
وبين عشية وضحاها أصبح الثقافة السائدة هى المساواة بعد العنصرية ولا هدف إلا لاستقطاب هؤلاء المتميزين –
فقط- من أصحاب الطاقات الإبداعية والرياضية من هؤلاء المنتمين لدول نالت استقلالها – الشكلى- فحصد الأمريكان
والإنجليز والفرنسيين الذهب كذبا وادعاء وافتراء على حساب تجنيس أبناء القارة السمراء وأختها القارة الصفراء، وتعود
السيادة حتى فى الرياضة للغرب تحت زعم توفير الامكانات وتسخير البرامج العلمية وغيرهما مما تروجه ماكينات
الأعلام العابرة للقارات حتى تستقطب الاجيال التالية من شبان الشعوب المغلوب على أمرها احتلالا واستبعادا
واستنزافا لمقدراتها المادية والبشرية، من جانب، ومن آخر تظل الغلبة والأفضلية لأرض الأحلام – الكاذبة- ومن بعد
ثالث ؛ تزداد الفجوة السحيقة اتساعا بين الارض والشعوب وبين هؤلاء الشباب الباحث عن الفرص والمؤدلج من خلال
الإعلام الغربى، فتنشأ الرغبة فى الهروب من واقع محتل إلى غرب متقدم متطور ، وتظهر قيم سلبية فى المجتمعات
مثل الإغتراب والاتكالية والانهزامية والانمالية وغيرها من أمراض يصدرها الغرب دعائيا عندما تتناقل وسائل إعلامه فوز
لاعبيه (السمر والصفر) بالذهب.
ولو عادت كل ميدالية ذهبية حصل عليها لاعبى امريكا وإنجلترا وفرنسا لاصحابها الأصليين وشعوبهم لتعالت أعلام
أفريقية وآسيوية فى سماء المجد ولتراجعت تصنيفات دول الاستنزاف والاحتلال الى مراكز حقيقية تليق بهم.
المشهد الذى أدعو القراء إليه هو صورة وجوه هؤلاء الأبطال (السمراء والصفراء) تحت الأعلام الغربية حتى نرد الحق
لاصحابه ولو فى ضمائرنا(!).
وبالمناسبة انتقلت هذه العدوى من دول الاحتلال لبقية دول اوربا وغيرها من الدول القزمية التى تبحث عن مجد زائف
(!) ومنها ؛ حصول البلغاري (بالتجنيس) كارلوس نصار على الرقم القياسي العالمي في رفع الأثقال لوزن 89
كيلوجراماً، وحصد ذهبية أولمبياد باريس 2024 رغم ان نصار مولود لأب لبناني.
وثانيا ؛ نجد الطرف الأخر من المعادلة ان نائل نصار صهر بل جيتس – من أغنياء العالم – وبطل الفروسية أصرّ على ان
يلعب باسم مصر ولم يتنازل عن جنسيته رغم المغريات التى يمكن ان نتخيلها معا، وايضاً رغم إصابة حصانه قبل
المنافسة والتى تمنع قوانينها استبدال الحصان المصاب بل استبعاده مع فارسه، وهذا الفارس الذى انفق من ماله
الخاص على تواجده بالأولمبياد وحظه العثر منعه من المنافسة إلا ان اصراره على ان يلعب باسم مصر جعله
يحصدالذهب من قلوب المصريين ، هذا نموذج تغافلته قصدا وسائل الإعلام الغربى ، وأدعو إعلامنا للترويج له .
وكما ن الحق لابد يوميا وان يعود لأصحابه فرغم مرور ١٢ عاما على أوليمبياد لندن ٢٠١٢ الذى كان فيها لاعبنا طارق
يحى فى المركز الرابع فى وزن ٨٥ كيلو جرام فقد كشفت نتائج التحقيقات تورط الروسى أبنى أوخدوف الحاصل على
الفضية فى تعاطى المنشطات وتم سحب الميدالية والمركز الثانى منه وأصبح بطلنا مكرم بعد ١٢ عاما بالمركز الثالث
البرونزيّة، فهذا ايضا نموذجا وجب الحديث عنه حتى لا تفتر عزائم شبابنا فالحق عائد – لا محال- لاصحابه(!) وان طال
الزمن.
المشهد الثالث للمصرين كان فى منافسات كرتى القدم واليد فكلاهما كانا منتصران حتى الدقائق الأخيرة، ورغم ان
منتخب القدم كان ينافس ليس منتخب فرنسا بل منتخب أفريقيا فتقريبا ٨٠٪ من لاعبى فرنسا من شعوب أفريقيا بل
الأدهى ان احدهم كان مجنس فرنسى وأخيه مجنس انجليزى ويلعب لمنتخب إنجلترا ، انهم يصنعون مجدا زائفا(!).
وهنا تحتم الحديث عن ثقافة الانتصار وليست ثقافة المشاركة، فهل يتم إعداد اللاعبين ليرفعوا علم مصر أم فقط
للمشاركة والتمثيل المشرف ؟!
وهذا أمر يدعونا إلى العروج على ظاهرة بوريس بيكر نجم ألمانيا الذى انتزع بالصدفة بطولة ويمبلدون من الإنجليز
واراد الألمان إلا الانتصار القادم معرضا للصدفة، فسعوا بالعلم الى تكرار الفوز.
ان ما تروج له أساليب واليات الحداثة الوافدة من أعلام الغرب هو ثقافة المشاركة والاكتفاء بهذا الشرف الزائف ،
والبعد كل البعد عن ثقافة الانتصار التى هى فى الأساس أحد أركان الشخصية المصرية فى موروثها الثقافى الأصيل،
وهذا ما سنتناوله فى القادم ان شاء الله ومن خلال كتاب (كيف تصنع نجما) المترجم إلى لغات عدة اخذها بعناية
فائقة الأمريكان وطبقوا نظرياته، وحتى لا تتكرر لدينا إخفاقات لاعبين كنا ننتظر حصولهم على الذهب أمثال محمد
جابر ، وحتى نحفظ لبطل الخماسي احمد، وكذلك سارة سمير بطلة رفع الأثقال ، انتصاراتهم وسنرى فى البطلة
رحمة خالد نموذجا لثقافة الانتصار من أجل رفع علم مصر لا من أجل الذهب!.