إبراهيم نصر يكتب : أخلاقنا وأخلاقهم فى الحروب
أعتقد أنه من المناسب الآن بل من الضرورة بمكان أن تنشط كل وسائل الإعلام، وخاصة الموجهة إلى الغرب وغير المسلمين، فى إلقاء الضوء على أخلاق المسلمين فى الحروب، منذ عصر النبوة، وحتى آخر حرب خاضها العرب والمسلمون فى العصر الحديث ضد العدو الإسرائيلى الغاصب المحنل، وهى حرب السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣م، وذلك لأن الشيء الدائر فى غزة منذ السابع من أكتوبر الماضى لا أجد له وصفا، فحرب الإبادة أقل بقليل مما يجرى على الأرض، وأصبح جيش الاحتلال الإسرائيلي عنوانا لكل تجاوز ومخالفة لقوانين الحروب فى العالم، وللخروج على القوانين الإنسانية والأخلاقية، وفاقت أفعاله كل الأساطير التى يمكن أن يتخيلها عقل أى مؤلف أو كاتب سيناريو لأبشع الأفلام التى تصور الوحشية والدموية، وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، بما تأباه الحيوانات فى عالمها.
وإذا كان البعض يعتقد، وأنا منهم، أن المقاومة الفلسطينية أخطأت تقدير الموقف وحساباتها لم تكن دقيقة فى تصور ردة فعل جيش الاحتلال الإسرائيلي المتعطش لدماء العرب والمسلمين، ليس فى غزة وحدها، ولا فى فلسطين كلها، وإنما فى كل مكان على وجه البسيطة، إلا أنه بعد أن وقعت الواقعة، ليس للمقاومين منا إلا النصرة والدعم والدعاء، دون توريط بقية الدول فى الإقدام على حرب غير محسوبة العواقب.
أخلاقيات المسلمين فى الحروب
وأعود إلى أخلاقيات المسلمين فى الحروب التى أرساها الله فى قرآنه الكريم، وطبقها خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد
– صلى الله عليه وسلم – وعلمها لأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.
ومن أول هذه الأخلاقيات: عدم قتل الشيوخ والنساء والأطفال، فيروي بريدة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا أمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، وكان مما يقوله:
“..ولا تقتلوا وليدا..” رواه مسلم. وفي رواية أبي داود: “ولا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا، ولا صغيرا، ولا امرأة”.
ثانيا: كان يوصيهم بعدم قتل المتعبدين، فقد أخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان إذا بعث جيوشه
يقول لهم: “لا تقتلوا أصحاب الصوامع”.
ثالثا: عدم الغدر، فكان من وصاياه صلى الله عليه وسلم للجيش: “ولا تغدروا”. ولم تكن هذه الوصية في معاملات المسلمين مع بعضهم،
بل كانت مع عدو يكيد لهم، وهم ذاهبون لحربه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “من أمَّن رجلا على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل
وإن كان المقتول كافرا” رواه البخاري وغيره.
لم تكن حروب المسلمين حروب تخريب
رابعا: عدم الإفساد في الأرض، فلم تكن حروب المسلمين حروب تخريب كالحروب التي يحرص فيها المتقاتلون من غير المسلمين
على إبادة مظاهر الحياة لدى خصومهم.
والمقصود من وصية عدم الإفساد في الأرض؛ ألا يظن قائد الجيش أن عداوة القوم تبيح بعض صور الفساد، لأن الفساد بشتى صوره
أمر مرفوض في الإسلام.
خامسا: الإنفاق على الأسير ومساعدته، بل إن ذلك مما يثاب عليه المسلم، وذلك بحكم ضعف الأسير وانقطاعه عن أهله وقومه،
وشدة حاجته للمساعدة، قال تعالى: “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا” (سورة الإنسان، آية ٨).
سادسا: عدم التمثيل بالميت، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المُثْلَة بالمقتول من الأعداء، والمُثْلَة: التنكيل بالمقتول،
بقطع بعض أعضائه، ورغم ما حدث في غزوة أحُد من تمثيل المشركين بحمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم،
فإنه لم يغيِّر مبدأه.
هذه بعض أخلاقيات الحروب عند المسلمين، فكيف أخلاق غيرهم التى يجسدها الآن جيش الكيان الصهيوني فى حربه على أهل فلسطين؟.
Ibrahim.nssr@gmail.com