الدكتور محمود فوزي بدوي يكتب : ثلاثية الوجود .. مدخل مقترح للسعادة

من غير الطبيعي أن تكون حياة المرء متصلا واحدا، بحيث إذا أفرط في ناحية عجز عن التوازن والاستمرارية!،
لقد خلق الله الرحمن الانسان على استوائية مبهرة في التوازن بحيث تتناغم معطياته الوجودية مع معطياته الكونية، فيشعر بالاستقرار ويسلك سلوكا إيجابيا منتهاه الشعور بالفضل ثم الرضا وفي المنتهى الأسمى السعادة التي هي من وجهة نظري مقصد الوجود الانساني على إطلاقه !!!
ومرام القول من مقالتي هذه أنني أقترح على الانسان ثلاثة أبعاد من وجهة نظري، تشكل سياجا أصيلا لوجوده وتفاعله وتناغمه لكي يصل للسعادة، ولا إفراط أو تفريط في أحدها لأنها تعتمد على بعضها وتتكامل فيما بينها لتحقق لهذا الانسان مرامه الكريم في علاقته بالكون والأشياء والناس، وهذا ما يصف قيوميته على نفسه في اعترافها بنعمة وجودها لمن أوجدها!
والأبعاد الثلاثة المقترحة لتفاعلك أيها الإنسان والتي يحقق توازنها وتكاملها لك السعادة، هي:
الأول: الوجود الشخصي:
لا مرية أنك انسان خلقك ربك وأودع فيك من الخصائص والهبات والقدرات ما يساعدك على الشعور بجمال الذات ورونقها وأن لها احتياجات وميول ورغبات ينبغي أن تشبع ومنها علاقتك بالله وصلاتك وتسبيحك وذكرك وتأملك الشخصي، وممارستك لهواياتك كالرياضة والاستماع للموسيقى وقرض الشعر أو الرسم أو ممارسة كل أنواع الفنون ..الخ
الثاني: الوجود الاجتماعي:
خلق الله الرحمن الانسان لكي يعيش في جماعة يتفاعل معها ويتشارك من خلالها في كل أنشطة الوجود ، وتقام علاقات انسانية في هذا السياق على أعلى مستوى ، وفي نفس الوقت يشعر الانسان بأهميته وأهمية دوره الاجتماعي ، المتمثل في علاقاته بالأهل والأصدقاء والأبناء وأركان الأسرة جميعها ، وكذلك في المجاملات الاجتماعية سواء أكانت أفراحا أم أحزانا ، أو المشاركة في التكوينات الاجتماعية المتعلقة بتفعيل الدور الاجتماعي المقرون باهتمام أو نشاط أو دعم مجتمعي ، أو القيام بعمل تطوعي أو المشاركة في التجمعات الهادفة لإصلاح المجتمع ، الخ …
الثالث: الوجود المهني:
وهذا البعد يتعلق بالعمل أو المهنة أو الحرفة أو الصنعة التي يعمل بها الانسان وتدر عليه وعلى آل بيته الدخل
المادي لكي يعيش ويستطيع تلبية احتياجاته المادية والاجتماعية ، لكي يتوازن ويشعر بالاستقرار دون احتياج لأحد أو
التفكير في أمور مادية قد تعصف بالوجود الانساني كله ، والمرء يعمل وهو في ذلك يحاول أن يتقن عمله ليبدع فيه ،
ومن ثم يرتقي ويتقلد مناصب مهمة في هذا الإطار ، وهذا مهم جدا لشعوره بذاته وممكناته وابداعه وقدرته الفائقة
على التأثير وترك بصمة في الآخرين والمجتمع والناس ، وهذا الجانب مهم لرفاهية الفرد والجماعة ومن ثم المجتمع
كله لأنه يتعلق بالوجود والقدرة على الاستمرارية وتلبية المطالب المادية على اختلافها والوجودية بشكل عام …
ووفقا لما سبق فنصيحتي التي أوجهها لنفسي وفقا لهذه المعطيات أو الأبعاد الثلاثة للوجود والتفاعل ، أنه لا إفراط
ولا تفريط ولا استغراق في جانب على حساب آخر ، لأن هذه الجوانب الثلاثة مجتمعة حتى لو اختلفت نسب التقدير
لأهمية جانب على آخر ، هي ما تشكل الانسان في وجوده وتفاعله مع كون الله ، وترسم الإيجابية المتناغمة لهذا
الوجود ، ومن ثم الشعور بالتوازن والاستقرار والرضا ، ومن ثم الشعور بالسعادة ، …
يا ليتنا ندرك هذا ولا نضيع الحياة بالاستغراق في جانب على حساب الآخرين ، فلا ندرك الكمال ولا نشعر بالسعادة
وللحديث دائما بقية بإذن الله ،،،
كاتب المقال أستاذ أصول التربية
ووكيل كلية التربية – جامعة المنوفية