مصطفى ياسين يكتب : فتنة دينية.. والاسم رياضة!
ما شهده حفل افتتاح أُولمبياد باريس، من تجسيد مُسيئ لمَشْهَد العشاءِ الأخير لسيّدنا المسيح عيسى- عليه السلام- أثار فتنة دينية رغم كَوْن الحدث رياضياً، إلا أنه يؤكّد بما لا يدع مجالا للشك أن التطاول وإهانة المُقدّسات الدينية، لا يكون إلا عن تطرّف وتعصّب مَقِيْت، خاصةً إذا ارتبط هذا بما يسعى المُنحلُّون لفرضه على المجتمع الدولي بشتّى الوسائل غير المشروعة، من سلوكيات شاذّة ترفُضها الفِطرة الإنسانية السليمة من شذوذ ومِثْليّة وانحراف أخلاقى وسلوكى.
لكن لابد من النظر إلى الجانب الآخر، وهو المُضئ من وجهة نظري، ألا وهو تكاتُف المؤسّسات الدينية، على اختلاف مُعتقداتها ومذاهبها وطوائفها، واتّفاقها جميعا على رفض واستنكار هذا السلوك المشين، بل إن الأزهر الشريف كان أوّل من سارع وأصدر بيانا شديد اللهجة فى التنديد والاستنكار، مُحذّرًا من خطورةِ استغلالِ مِثل هذه المناسبات لتطبيع الإساءة للدِّين، وترويج الأمراض المجتمعيَّة الهدَّامة الخارجة عن الفطرة البشرية، وفَرْض نَمَط حياة تُنافي الفطرة الإنسانيَّة السَّليمة.
ولعلّ هذا الموقف الموحَّد والمشترك فيما بين المؤسّسات الدينية، العالمية وليست المحلّية فحسب، يُحْيِى الأمل فى نفوسنا ويُشجّعنا لدعوة قيادات تلك المؤسّسات ورموزها الدينية المُعتَبَرة، أن يقفوا وقفة موحَّدة ضد كلّ الأفكار والأشخاص المُخرِّبين الساعين لنشر الفساد والرذيلة بين خلق الله، فجميع الأديان السماوية بل حتّى المعتقدات والفلسفات الإنسانية السليمة، تدعو إلى الأخلاق وتنبذ الانحراف بكلّ صوره وأشكاله، سواء كان انحرافا فكرياً أو سلوكيا، لأن الإنسان بفطرته السويّة يميل إلى الحَسَن والجميل ولبس القُبح والمُشين.
إن تناسق واجتماع المؤسّسات الدينية ورموزها- سواء على المستوى المحلّى المصرى، أو العالمى- على رفض هذا السلوك المُشين فى فرنسا، يُشجّعنا للدعوة إلى استمرار هذا التنسيق والاتفاق لرفض كلّ الأفكار والسلوكيات المُنحرفة بل المُنْحَلَّة التى يروِّج لها أصحاب الفكر الشاذ، الذين يسعون فى الأرض فسادا وإفسادا.
إن الوقفة الجماعية فى صفِّ الأخلاق، لابد أن تكون فى حالة ديمومة واستمرار حماية للمجتمع الإنسانى كاملا من الانهيارات الأخلاقية المُدبَّرة والمُخطَّطة من ذوى النفوس الضعيفة، أعداء الإنسانية.
فهل تفيق النُخَبُ السويّة وتقف وقفة واحدة فى مواجهة “الثُلَّةِ” المُخرِّبة للأخلاق والأمن المجتمعى، قبل فوات الأوان؟!
إن وضعنا الحالى، رصده سيّدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فيما رواه البخاري، عن النعمان بن بشير، فى الحديث الشريف: “مَثَلُ القائِمِ علَى حُدُودِ اللَّهِ والواقِعِ فيها، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا علَى سَفِينَةٍ، فأصابَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وبَعْضُهُمْ أسْفَلَها، فَكانَ الَّذِينَ في أسْفَلِها إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا علَى مَن فَوْقَهُمْ، فقالوا: لو أنَّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقًا ولَمْ نُؤْذِ مَن فَوْقَنا، فإنْ يَتْرُكُوهُمْ وما أرادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وإنْ أخَذُوا علَى أيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعًا”، فالنجاة النجاة، يا أولى الألباب لعلَّكم ترشدون.