” مش ده يابهايم !” .. قصة قصيرة للإعلامي محمود عبد السلام 

الإعلامي محمود عبد السلام

ما هذه الأشباح التى تتقافز حولى طوال الليل ، وما كل هذه الكوابيس ، منذ وضعت رأسى على الوسادة ، وأنا فى كابوس متصل ، ما أن أستيقظ مفزوعاً من نومى ، ثم أعاود النوم حتى يأتينى الكابوس مرة أخرى ويبدأ من حيث توقف حين أستيقظت ،

كأنى أشاهد شريط سينمائى طويل ، تناولت المزيد من الحبوب المنومة ، وأستعنت بالأدعية ونصائح أهل الله الطيبين ، ولم أجد نفعاً ، نهضت من سريرى وأنا إجرّ قدماي جراً نحو المطبخ ، صنعت كوباً من الينسون وشربت زجاجة مياة كاملة وعدت الى السرير ، وسألت نفسى ربما قد نسيت إجراء آخر يساعدنى على النوم ؟

وأنا على هذة الحالة وجدت نفسى مستغرقاً فى نوم عميق ، شعرت بحركة غير طبيعية حول البيت ، أشخاص كثيرون وأصوات مختلفة متداخلة وأصوات محركات سيارات ونباح كلاب ضخمة مدربة ، الصوت فى البداية كان ضعيفاً متردداً .. لم أتبين من انحفاضه ما يقول ، لم يمر وقت طويل حتى إستعان الصوت الخارجى بمكبر للصوت محمول على اليد ،

لم أصدق نفسى وهو يذكر أسمى ويطالبنى بالأستسلام ، وبأن البيت محاصر والشارع ..بل الحى كله ، أنكمشت كقطعة قماش مبللة وأنا أرتجف وأحاول أن أسترجع الأحداث فى الأسبوع الفائت ،

هل يكون قد أبلغ عنى زملائى فى العمل المشتركين معى فى الجمعية عن تغيبى وقد ظنوا أنى قد هربت بالفلوس؟ ، أم يكون عباس الفرارجى ، فقد توعدنى إن لم أدفع له ثمن الديك الذى أبتعته بالقسط ولم أسدد أقساطه حتى الأن ، أم يكون مدرس الأولاد ؟ ،

أخذت الأفكار تهاجمنى مثل فلاشات ضوئية تعمى عينى ثم تختفى ، أخيراً تشجعت واقتربت من النافذة أنظر من خلف الستارة ، فوجدتهم جميعاً..  يطالبون بدمى !

أصداء أصواتهم أنبعثت من حناجر مهتاجه وملتهبة ، وأخذ صداها يتردد فى دوائر حول البيت حتى وصل إلى مسامع بيوت الحى جميعها ،

ذهبت إلى بلكونة المطبخ أختلس النظر لعلى أجد شقاً أهرب منه كما يهرب الفأر المذعور من مخالب قط برى ، لابد

أننى قد أرتكبت جريمة نكراء أستحق عليها ما سيحدث لى !،

مئات المرات أستعيد كل نشاطى فى الحياة خلال الأسبوع المنصرم ثم الشهر ثم العام ثم العمر كله ، فلم أعثر فى

ذاكرتى المشتتة على ما يستحق كل هذا الحصار !

إذن لا شئ يشين تصرفاتى فى حياتى الشخصية أو فى عملى ، وهل يحاسب المرء على أحلامه ؟ ، يبدو أن

الموضوع هكذا

أستجمعت آخر ما تبقى من شجاعتى وتقدمت نحو الشرفة وأنا أرفع قطعة من ملابسى الداخلية بيضاء رمزاً

لاستسلامى ،

دخلت فى مساحة من الظلام تتسع لمدينة ، قطعة القماش السوداء التى وضعت على عينى جعلتنى أرى بأذنى ،

كانت فرحة الرجال حولى بالقبض علىّ منقطعة النظير ..بعضهم أخذ فى التصوير معى لينسب لنفسه شرف القبض

علىّ ،

قضيت ليلة أسود من بهيم الليل الغطيس ، بين الجدران الرطبة وقَرّص البراغيث وعبث الفئران وهى تلهو بأطرافى ،

ليلة كاملة قضيتها فى رعب مخيف ، وحين أدركني الصباح ، وتسلل بصيص من نور من خلال الشباك ، رأيت مالم

يخطر على بالى على الأطلاق !

وجدت على مقربة منى فى جميع الاتجاهات عشرات الأشخاص يفترشون الأرض مثلى ، شباب فى عز العنفوان

ورجال أشداء لكن الجميع يبكى ، ثم سمعنا صوت قرع على باب الزنزانة ، أنفتح الباب وهو يصدر صريراً يصم الأذان ،

ثم تقدم رجل طويل القامة وجذبنى من ياقة القميص ، فتطوحت فى يده يمينا ويسارا كفرع شجرة ذابل سيسقط

بعد قليل ، ثم جذبنى بقوة نحو الخارج وهو يلعن جدودى جميعاً بلا أستثناء ،

ألقانى أمام مكتب رجل يبدو عليه مظاهر القوة والسطوة ، طلب منى الوقوف ، أستندت على حافة المكتب وأخذت

أسحب جسدى المثقل إلى أعلى حتى ظهر وجهى كاملاً أمامه ،

تفرس وجهى بنظرة حادة ، ثم أشاح بوجه عنى نحو مجموعة من الرجال تقف بالقرب منى ، ثم قال لهم ، مش هو

ده يابهايم ،

غادرت المكان المجهول وأنا أتلفت حولى وكل ما أتمناه أن أعود إلى بيتى ، متخذاً قرار بعدم محاولة النوم مرة آخرى

والأمتناع عن شرب اليانسون ، وتسديد أقساط الديك .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.