عبد الناصر البنا يكتب : السودان .. صهرا ونسبا !!
الحديث عن السودان حديث ذو شجون ، ويبدو كلاما مكررا ، خاصة وأن لنا فيها ” صهرا ونسبا ” والسودان هى الـعمق الإستراتيجى لأمن مصر القومى ، وهى جزء أصيل من مصر منذ أن كانتا دولة واحدة منذ عام 1820 عندما قام قام محمد علي باشا بإدخال السودان تحت قيادته ، وبدأ فى تأسيس الوحدة السياسية لوادي النيل في ظل الدولة الحديثة .
وظلت الوحدة قائمة حتى الثورة المهدية ، وانفصلت الأراضي السودانية عن مصر من 1885 إلى 1898 وعادت السودان مرة أخرى إلى الوحدة مع مصر بمشاركة بريطانيا ،
وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 في مصر . حدد مجلس قيادة الثورة المصرية الموقف بالنسبة للسودان ، والاعتراف بحقه في تقرير مصيره ، ومرت السودان بفترة إنتقالية وإنسحبت بعدها القوات المصرية والبريطانية ، وتاسست فى عام 1954 أول حكومة سودانية .
وتشير أقدم رواية تاريخية مقروءة في حجر ” بالرمو ” أن الملك ” سنفرو ” من الأسرة الثالثة ٢٩٠٠ ق.م ، قد غزا بلاد النوبة وحكم السودان ، وقد وصلت حدود مصر في السودان في عهد القائد ” أحمس” إلى النيل الأزرق
إذن العلاقة بين مصر والسودان ليست وليدة لحظة أو صدفة أو مصالح ، فالمتتبع لتاريخ البلدين يجد أنهما عاشا تاريخا مشتركا بالقدر الذى يتعذر معه الحديث عن تاريخ مستقل لكل دولة ،
وهناك إمتراج كبير بين الشعبين المصرى والسودانى ، ولذلك لاعجب إن قلنا أن العلاقه بين البلدين هى علاقة أزلية ، قائمه على المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة وعن طريق الدين والأخلاق والعادات والتقاليد .. إلخ
قصدت أن أقول أننا شعب واحد ودم واحد ونهر يروى البلدين ، ولاننسى أن اللواء محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية مولود فى الخرطوم عاصمة السودان ، وزوجته السيده زهرة أحمد عثمان هى مصرية الأصل سودانية المنشأ ولدت فى أم درمان بالسودان ، وأم الرئيس الراحل محمد أنور السادات كانت سودانية وإسمها ” أم سترين ” بِت خير الله ود عبد الحق ، وعرفت ب “ست البرين ” وهى من قبيلة الكواهلة فى السودان ،
ويقال أنها كانت وراء إذاعة الأذان في التلفزيون والإذاعة المصرية عندما طلبت من إبنها ذلك ، والمشير محمد حسين
طنطاوي ، القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج الحربي الأسبق ولد لأسرة مصرية نوبية لها جذور
سودانية .
إلى جانب ذلك لدينا تراث من الفن النوبى ـ السودانى ، وأم كلثوم تغنت للشاعر السودانى الهادى آدم” أغدا ألقاك ”
والفنان إبراهيم خان ولد فى السودان لأب سوداني وأم مصرية ، والمخرج سعيد حامد لأب وأم سودانية ، والقائمة
تطول .
وبالنظر إلى واقع السودان نجد أن للسودان تاريخ حافل من الفتن والإنقلابات منذ إستقلاله عام 1956 ، حتى اليوم ،
ويبدو أنه لانهاية تلوح فى الأفق لتلك الإنقلابات ، حتى الحكومات التى تعاقبت على حكم السودان أطيح بها
بإنتفاضات شعبية ،
الرئيس جعفر نميري حكم السودان فى 1969 ، أطيح به فى عام 1986 وتولى عبد الرحمن سوار الذهب ، وفى يونيو
1989 ، قاد عمر حسن البشير انقلابًا بمساعدة حزب الجبهة الإسلامية القومية بزعامة حسن ترابي .
والحقيقة أن تلك الفترة كانت من أسوأ الفترات فى حكم السودان ، فيها إنفصلت جمهورية جنوب السودان عن
الشمال فى عام 2011 ، وتغلغل نفوذ جماعة الإخوان فى الدولة ، وقد كشفت قناة العربية فى سلسلة وثائقية
أسرار الإخوان فى السودان ، وفيها تسجيلات مسربة تذاع لأول مره عن سيطرة الإخوان على السودان ،
السودان التى حباها الله بموارد طبيعية وأراض زراعية صالحة للزراعه تؤهلها لأن تتصدر ” سلة الغلال ” للعالم العربى
يهدد أهله اليوم شبح المجاعة ، وقد فشلت مشروعات التكامل بين مصر والسودان ، كما فشل مشروع قناة ”
جونجلى ” ، وبعد إنفصال الجنوب ، تطالب اليوم أقاليم وولايات كثيره بالانفصال ، بل وبقيام حرب أهلية تأتى على
الأخضر واليابس فى السودان .
فى عام 2019 عزل وزير الدفاع عوض بن عوف الرئيس عمر البشير بعد أشهر من الاحتجاجات . وأودع فى سجن كوبر
بالعاصمة السودانية . وأذكر هنا بحكم أصدرته المحكمة الجنائية الدولية في عام 2009 ومذكرة توقيف في حق
الرئيس عمر البشير بعد اتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال النزاع المسلح في دارفور ،
هذا النزاع الذى بزغ معه نجم تاجر الماعز محمد حمدان دقلو الشهير ” حميدتى ” قائد قوات الدعم السريع الذى يقود
صراعا دمويا على السلطة مع قائد القوات المسلحة والرئيس الفعلي للبلاد عبد الفتاح البرهان ،
بقى أن أشير إلى هناك أطراف عربية تزكى هذا الصراع ، وهذا الخبر نقلا عن وكالة الأنباء الحكومية السودانية “سونا
“. يقول : ارتفعت عائدات صادرات الذهب السوداني ، خلال النصف الأول من العام 2022 ، إلى مستويات قياسية
بلغت نحو مليار و314 مليونًا و962 ألف دولار أميركي ،
وذلك بفضل شراء دولة الإمارات العربية كل كميات الذهب التي صُدّرت من السودان، خلال الـ 6 أشهر الأولى من
العام الجاري حتى يونيو 2022 أى مايعادل 21 ألفًا و832 كيلوغرامًا من الذهب الخالص ، والذهب هو كلمة السر فى
النزاع الدائر فى السودان اليوم ، حيث تستحوذ دولة الإمارات على الذهب مقابل إمداد قوات الدعم السريع بالسلاح !!
مايهمنى هنا امرين .. الأول : هو خيانة الرئيس عبدالفتاح البرهان لمصر قيادة وشعبا بعد أن تابعنا الأخبار عن
إستقبال حافل لـ ” آبى أحمد ” رئيس وزراء أثيوبيا الذى يناصب مصر العداء ، فى الوقت الذى ترعى فيه القاهرة
مؤتمرا للقوى السودانية ، يجمع فرقاء السودان لمناقشة وقف الحرب ومعالجة الأزمة الإنسانية والتحضير للمسار
السياسي ،
ولعل هذا الأمر ليس غريبا بالنسبه لى ، وقد سبق أن راهنا على خليفة حفتر فى ليبيا وخذلنا ، ومن قبله الرئيس
عمر حسن البشير الذى كان يأتى لمصر مقدما فروض الولاء والطاعة وبمجرد أن تطأ قدمه أرض السودان يقول ”
حلايب وشلاتين ” سودانية مغازلا قوى المعارضة ، وقائمة الأندال تطول .
حاصل القول أن النزاع فى السودان منذ أبريل 2023 خلف وراءه آلاف القتلى من المدنيين ، ونزوح أكثر من 6 ملايين
شخص داخليًا ، وفرار ما يقارب من مليوني لاجئ إلى مصر والبلدان المجاورة . وهناك ما يقارب من الـ 24 مليون
شخص فى حاجه إلى المساعدات ، ويعاني 18 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحادّ .
الأمر الثانى : هو ” اللآجئين ” وهم كلمه السر فى خلافات قادمة تدق أبواب مصر ، مصر فتحت الباب على مصراعيه
للأخوة من السودان الشقيق كما حدث من قبل مغ‘ أشقاء لنا من العراق وسورية واليمن .. إلخ ،
هذا الوضع ترتب عليه نزوح ما لايقل عن الـ 16 مليون لاجىء لمصر ، وبعد أن وقعت الفأس فى الرأس أفقنا على
كارثه نغصت على المصريين حياتهم إسمها ” اللآجئين ”
مصر اليوم أسقط فى يدها وهى فى وضع لاتحسد عليه ، لا أحنا عارفين نوقف سيل الهجرة الجماعية من السودان
إلى مصر ، ولانمنع عمليات التسلل عبر الحدود المصرية ـ السودانية ، وأى إجراء يتبع تلام عليه مصر ، وكل ما
إستطعنا عمله هو مناشدة الأجانب بضرورة التوجه للإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية لتقنين أوضاعهم .
المصريين ضاق بهم الحال وضجوا من التضييق عليهم ، والسودانيين يروا أنهم اصحاب حق ولا أحد يمن عليهم ومن
واجب مصر أن تستقبلهم ، وفقا للأعراف والإتفاقيات والمواثيق الموقعة ، والقيادة فى السودان تتصرف برعونة ولا
تراعى أن لها فى مصر حصنا وأمنا وملايين الرعايا .
ندعوا الله لمصرنا الحبيبة السلامة وأن تمرتلك الأزمة على خير !!