إبراهيم نصر يكتب: الحج المشروع.. والسبيل الممنوع
للأسف الشديد البعض يفهم قول الله تعالى: “وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا” (آل عمران : آية 97) فهما خاطئا، ويتصور أنه يسعى لأداء الفريضة بأى وسيلة وإن لم تكن مشروعة، وينسى أو يتناسى أن الغاية المشروعة لابد لها من وسيلة مشروعة، لأن الغاية عندنا فى دين الإسلام لا تبرر الوسيلة، بمعنى أن الحج المشروع لا ينبغى التوصل إليه بسبيل ممنوع.
فهناك فرق بين تأشيرة الحج وتأشيرة الزيارة غير المصرح لصاحبها بالحج، بل إنه يوقع على إقرار قبل السفر بأنه لن يتوجه لأداء مناسك الحج، فأقل ما يوصف به هذا الحاج أنه نقض العهد وخان الإقرار الذى وقع عليه.
ارتفاع عدد الوفيات
وما حدث فى حج هذا العام يلفت الانتباه إلى أن ارتفاع عدد الوفيات بين الحجاج المصريين على وجه التحديد
كان سببه سفر الآلاف بتأشيرات زيارة، غير الذين سافروا قبل موسم الحج بدعوة من الأقارب
المقيمين فى المملكة العربية السعودية، وكسرو التأشيرة وتخلفوا عن العودة بهدف أداء مناسك الحج،
ولم يجدوا من يوفر لهم أدنى خدمات الحماية من الحر القائظ، فضلا عن عدم توفير المياه الضرورية للحياة،
والحماية من الجفاف الذى كان سببا فى وفاة النسبة الأعلى بين الذين لقوا حتفهم على عرفات أو قبل الوصول إليه،
أو بعد النزول لاستكمال المناسك.
ورغم أن عددا من أفراد عائلتى، والمقربين منى سافروا هذا العام بالطريقة المخالفة نفسها وقد سلمهم الله وعادوا بفضل الله،
إلا أن ما أعتقده ولا أجد حرجا فى إعلانه، أن احترام القواعد المنظمة للحج والعمرة، سواء من بلد السفر أو من بلد المناسك،
يجب احترمها تماما، ومخالفتها يعد مخالفة شرعية لما يترتب على ذلك من أضرار تصل إلى حد إزهاق الأرواح.
بسحب تراخيص ١٦ شركة مخالفة
فلا بد من وضع ضوابط وقواعد واضحة ومحددة لتنظيم الحج والعمرة فى مصر، بحيث لا تتكرر هذه المأساة، وتحفظ على الناس حياتهم،
وتؤمن لهم طريق حجهم وعمرتهم، حتى يعودوا سالمين، ولابد كذلك من الحساب الرادع للكيانات التى شاركت فى تسفير هذا العدد الضخم
بتأشيرات الزيارة، وتخلت عن تقديم الخدمات لهم أثناء أداء المناسك، وهذا ما شرعت فيه خلية الأزمة
التى تشكلت برئاسة الدكتور مدبولى رئيس مجلس الوزراء، بسحب تراخيص ١٦ شركة مخالفة، وإحالة أصحابها للنيابة العامة.
ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
ولابد من التوعية الدائمة بضرورة أن يكون السبيل إلى الحج المشروع غير ممنوع، وإلا يكون مرتكبا لإثم عظيم،
لأنه يعرض نفسه وغيره إلى التهلكة، والله تعالى يقول: “وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ” (البقرة: آية 195).
فهذه الآية الكريمة ذكر أهل التفسير أنها نزلت في الأنصار لما أرادوا أن يدعوا الجهاد، وأن يتفرغوا لمزارعهم، فالإلقاء باليد إلى التهلكة هو التأخر عن الجهاد مع القدرة، والآية عامة، والقاعدة الشرعية: أن العبرة في نصوص القرآن بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلا يجوز للإنسان أن يلقي بيده إلى التهلكة كأن يلقي نفسه من شاهق ويقول: أتوكل على الله أني أسلم، أو يتناول السم ويقول: أتوكل على الله أني أسلم، أو يقتل نفسه بالسلاح ويقول: أنا أتوكل على الله أني أسلم، كل هذا لا يجوز، ويجب على الإنسان البعد عن أسباب الهلكة، وأن يتحرز منها إلا بالطرق الشرعية كالجهاد ونحوه.
خالص التعازي لأسر الذين وافتهم المنية، وتهانينا للذين عادوا سالمين إلى أرض الوطن، وإن كانوا عرضوا أنفسهم إلى التهلكة، ولكن الله سلم،
وأعتقد أن ما حدث سيكون رادعا لهم ولغيرهم، خاصة أن الله لم يكلفنا بما لا نطيق.
وأسأله سبحانه أن يعفو عن الذين فارقوا الحياة ويتقبلهم فى الشهداء حيث ماتوا غرباء وربما عطشى،
وأن يعذر الآخرين بجهلهم، وأن يوفقنا وإياكم إلى حج مشروع وبسبيل غير ممنوع.
Ibrahim.nssr@gmail.com