عبد الناصر البنا يكتب : عنان الجلالى .. عظماء كانوا يقتاتون من القمامة !!
فقدت مصر رجلا من أنبل الرجال ، وأعظمهم ، فقدت مصر عنان الجلالى مؤسس ومالك ورئيس مجموعة فنادق هلنان العالمية فى الدانمارك والسويد والنمسا وألمانيا ومصر والمغرب ، ومؤسس الاتحاد الأفريقى الآسيوى AFRO_ ASIAN UNION أفاسو AFASU لتنمية أفريقيا وآسيا ، وعضو مجلس إدارة الاتحاد العالمى لرؤساء الجامعات . والذى لم يأخذ حقه من الدعاية الكافية والتكريم الذى يليق به بوضفه أشهر قصة كفاح فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر ، وأشهر ” غاسل صحون ” فى العالم !!
أنا لا أتذكر متى ولا أين إلتقينا ، لكن ” الكيمياء ” هى الشىء الوحيد الذى جمع بيننا منذ سنوات ، أعتقد أنها قاربت على العشرين عاما أو ما يزيد ،
عنان الجلالى بالنسبه لى أكثر من أخ ، أتذكر صراحته المعهودة وهو يقول لى : أنت أقرب الناس إخلاصا فى صداقتك
لى ، وفى دهشه أسأله : ليه بتقول كده ؟ يقول لى : علشان إنت الوحيد العصامى ، وعمرها معرفتك لى ما كانت
طمعا فى شىء ، وعمرك ماطلبت منى حاجه لنفسك أبدا ، وإنت كمان نموذج نادر فى حبك لبلدك وتفانيك وإخلاصك
فى عملك ، وأنا لا أنسى لك مواقفك والتضييق الذى تعرضت له فى سنة الإخوان ، وإنت .. وإنت ، وأقول له كفايه
والله أخجلتنى !!
أنا لا أنسي فضل عنان الجلالى علىً عقب وفاة أمى ” رحمها الله ” وكانت حالتى النفسية سيئة جدا لفقدانها
وأفاجىء بتليفون يبدو للوهلة الأولى أنه من مدينه الأسكندرية يبدأ 03 وإذ بمدام ” حنان رفقى ” مدير فندق هلنان
فلسطين تخبرنى بأن السيد عنان الجلالى أعطى تعليماته بحجز sweet بإسمى فى فندق هلنان فلسطين ، وطلب
منهم ضرورة إبلاغى حتى أدبر أمرى ، وفى أول مكالمة بيننا قال : إكراما منى لهذه السيدة الفاضلة اللى عرفت
تربى كويس .
جمعتنى أنا والسيد عنان الجلالى الذى وافته المنية فى دولة الدانمارك ، بعد أن كنت على تواصل معه على الفيس
بوك قبل 9 ساعات فقط من وفاته ، صداقة من نوع خاص ، كان يحكى لى عن تقشفه ورحلة كفاحة ، وكان عنان من
مريدى السيدة زينب ” رضى الله عنها وأرضاها ” يجد راحته النفسية فى مخالطة المجاذيب والبسطاء من مريدى
المكان ، فيقاسمهم أكل ” الفول النابت ” ويقول لى : إنه من أشهى وأطغم ما أكلت فى حياتى ، كانت لقاءاتنا
طقس يحرص عليه عنان كلما زار مصر ، يخبرنى على الواتس أو فيس بوك أنه قادم إلى مصر ، ويختار ” هلنان دريم ”
القريب من سكنى لدعوتى بعد أن يفرغ من إجتماعاته ولقاءاته ، يجتر معى الذكريات .
وبعد أن تعثر إبنى فى الثانوية العامه لظروف خارجه عن تفوقه ، بالقدر الذى جعله لم يحصل على المجموع الذى
يؤهله لدراسة الهندسة والسفر إلى ألمانيا لدراسة هندسة السيارات هناك . أصر عنان الجلالى على لقائه واعطى
له روشته نجاح كانت نبراسا ودرسا له فى الحياة ، وجعلته وبفضل الله واحدا ممن يشار لهم بالبنان فى مجال
السيارات الكلاسيك فى مصر ، ومتفوقا فى مجال عمله المصرفى ودراساته العليا ، وقد ذكره وقتها بأنه فشل فى
الحصول على الثانوية العامة من مصر ، وشعر بأنه عالة على أسرته ، فقرر السفر إلى فيينا عاصمة النمسا وهو
لايملك سوى ” عشرة جنيهات إسترلينى ” وإستقل مركبا سياحيا إلى فينيسيا فى إيطاليا ومنها بالقطار إلى النمسا
، ومن هناك بدأت رحلة كفاحة التى توجت بالحصول على أعلى لقب فى دولة الدانمارك عندما منحته ملكة الدانمارك
لقب ” فارس ” وخلال مشوارة ورحلة كفاحة حصل على ” شهادة الدكتوراة الفخرية ” لخمس مرات من جامعات
العالم ، وأصبح عضو مجلس إدارة الإتحاد العالمى لرؤساء الجامعات ” أكبر إتحاد علمى فى العالم ” ، وقيل له إن
خبرتك العملية توازى كل الدراسات والأبحاث والشهادات العلمية التى حصلنا عليها !!
فى النمسا بدأت رحلة كفاح عنان الجلالى ، وكل طموحه وأمله فى الحياه كسرة خبز وسرير ينام عليه ، ولكونه رجل
بسيط والبساطة هى مفتاح نجاحه ، أقام فى بيت للشباب فيها ، ومنه إلى أحد الملاجىء ، وفى فيينا عمل بدون
أجر فى فندق أمبريال مقابل وجبة يأكلها ، وبائعا للجرائد على الأرصفة ، وهو لاينسى بائعه المحل التى تعاملت معه
بعنصرية ووصفته بالكلب والخنزير عندما لاحظت أنه يخرج من المحل ويأكل البيض ” نيء ” وهى لاتدرى أنه لايملك
مكانا ليقيم فيه !!
ولما ضاق به الحال فى النمسا رحل إلى الدانمارك ، تساءلت : وإشمعنا الدانمارك ؟ يقول : الدانمارك بلد ترعى
السلام والحدود ، إنت تعرف جنود الكاب الأزرق وهو يقصد قوات حفظ السلام الدولية التابعين لـ UN كانوا على الحدود
بين مصر وإسرائيل ، ويضيف : هؤلاء الجنود إللى سافروا آلاف الأميال ليقفوا بين شعبين فى حالة حرب ، أكيد جاءوا
من دولة محبه للسلام ، علشان كده تمنيت السفر إليها ، ويقول لى : بالمناسبة كنت ألتقى جنود الدانمارك فى ”
نادى هليوبولس ” القريب من محل إقامتى فى مصر الجديدة .
الحياة فى الدانمارك لم تكن أفضل شانا من فيينا ، مرار الغربة والفاقة والعوز والحرمان لازمته فى الدانمارك ولكن
الإرادة الصلبة والعزيمة والإصرار على الحياة بدأت من غسيل الصحون والتدريب والترقى حتى أصبح نائبا لمدير
الفندق الذى كان يغسل فيه الأطباق ، ثم مديرا لسلسلة فنادق البيت الأبيض فى الدانمارك ، ونشرت صحف
الدانمارك قصته ، وفى عام 1982 وافق البنك على إقراضه مبلغ 20 مليون كرونة دانماركية ، وأسس أول فندق من
السلسلة وإختار لها إسم ” هلنان ” ، وأصبح عنان الجلالى واحدا من المقربين للعائلة المالكة فى الدانمارك والسويد
والنمسا ، وأصبح ” الأمير هنريك ” زوج ملكة الدانمارك الأقرب إلى زيارة مصر والتجول فى شوارعها بدون حراسة فى
فترة كانت من أصعب الفترات التى مرت بها مصر ، وكانت دعاية لاتقدر بثمن ، وصحف العالم تنشر صور الأمير وهو
يتجول مع عنان فى الأحياء الشعبية بالقاهره ، وفى الأقصر وأسوان ، والغردقة وشرم الشيخ !!
فى احد اللقاءات التى جمعتنى مع عنان أحضر جريدة وألقاها أمامى وهو يقول : شايف كاتبين عنى إيه ؟ مانشيت
كبير كان يتصدر إحدى الصحف الأجنبية يقول ” عظماء كانوا يقتاتون من القمامة ” ومن بينهم السيد عنان الجلالى ،
وتسرد الجريدة قصة كفاحه التى بدأت بغسيل الصحون بوصفه أشهر غاسل صحون فى العالم ثم ، وثم ، وثم ، يقرأ
لى وهو يضحك وقد إحمر وجهى خجلا ، ولكن هدوءه النفسى المعتاد وبساطته وزهوه وإفتخاره بقصة كفاحه بددت
عنى هذا الخجل ، وقد أقسم لى بالله أنه عمل فى غسيل الأطباق مقابل وجبة يأكلها ، وكان ينام فى كبائن
التليفونات ، ويأكل بقايا الأكل فى المطعم الذى يعمل فيه وأحيانا من صناديق القمامة .
مواقف عنان الجلالى المشرفة من أجل مصر لا يسع المقام لذكرها ، لكن الشىء المؤكد أنه يجب أن يتم إدراجها
فى مقررات التعليم لتكون نموذجا للشباب ، ولكتاب الدراما خذوا من عنان الجلالى نموذجا مشرفا قدموه للشباب
مثل نموذج م . محمد عطية البطل الحقيقى لفيلم ” النمر الأسود ” .. رحم الله عنان الجلالى برحمته الواسعة
وأسكنه فسيح جناته . وإنا لله وإنا إليه راجعون .