عبد الناصر البنا يكتب : ذكريات .. فى الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ !!

عبد الناصر البنا

يقول الله تعالى فى محكم التنزيل ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ ، والحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام لقول الرسول ﷺ : ” بني الإسلامُ على خمسٍ : شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، وإقامِ الصلاة ، وإيتاءِ الزكاة ، وصومِ رمضانَ ، وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليه سبيلا ،

أما أعمال الحج فهى تبدأ بالإحرام من الميقات ، والذهاب إلى مكة لـ الطواف بالبيت الحرام طواف القدوم ، ثم التوجه إلى مشعر منًى لقضاء يوم التروية الذى يسبق وقفة عرفات ، ثم يتوجه إلى صعيد جبل عرفة لقضاء يوم عرفة ، وفى اليوم التالى يرمي الحاجُّ جمرة العقبة الكبرى ويتحلل الحاج من إحرامة ويذبح الهدى ، ويعود إلى مكة ليقوم بطواف الإفاضة ، ويعود إلى منى لقضاء أيام التشريق الثلاثة ،

ويعود مرة أخرى إلى مكة ليقوم بطواف الوداع ومغادرة الأماكن المقدسة . بقى أن أشير إلى قوله تعالى : { وَلِلَّهِ

عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } ، وأذَكر بأن الحج واجب على كل مسلم بالغ عاقل لديه الـ إستطاعه

” المادية ــ والبدنية” لـ آداء الفريضة مرة واحدة فى العمر . والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة كما روى عن النبى

ﷺ .

أما تاريخ الحج في الإسلام فهو يرجع إلى ماقبل بعثة النبي ﷺ بآلاف السنين ، إلى عهد خليل الرحمن أبو الأنبياء

سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبيا أزكى الصلاة والسلام .

وكما نعلم قصة ستنا هاجر وإبنها إسماعيل وإبراهيم ، عندما تركهم فى هذا الوادى المقفر ، وإنصرف وهو يدعو ربه ﴿

رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ

وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ ، وسعى السيدة هاجر بين الصفا والمروة وتفجر ماء زمزم ، وبناء البيت ﴿ وَإِذْ

بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ .. وقوله : ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ

إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

ولما فرغ إبراهيم وولده إسماعيل من بناء البيت دعا ربه قال : رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ

مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ .

ونحن فى رحاب العشر الأوائل من ذى الحجة التى تنتهى بعيد الأضحى المبارك . ندعو الله أن يجنب مصرنا الحبيبة

الفتن ماظهر منها ومابطن وأن يرزقنا من الخير الوفير ، والحقيقة أنا لى مع فربضة الحج ذكريات تبدأ بعودة أبى من

الرحاب المقدسة عام 1962 ولم أولد بعد ،

وإنما حكى لنا عن الباخرة التى أقلتهم من ميناء السويس إلى جدة ، والحيتان التى كانت تتقافز بجوارها طوال

الرحلة التى إستغرقت أياما ، وإجراءات التفتيش الصارمة التى خضع لها حجاج مصر خشية أن يكونوا ” كوماندوز ”

أرسلهم جمال عبدالناصر لتوتر العلاقة بينه وبين الملك فيصل بن عبدالعزيز ، على خلفية حرب اليمن .. إلخ ،

وإذا ماقارنا آداء الفريضة فى ذلك الوقت الذى يعتبر حديث نسبيا ، مقارنة بالحج الذى كان يتم فى الماضى بواسطة

الجمال ويستغرق شهورا عدة ، وكان محفوفا بالمخاطر ، وبين الحج فى أواخر التسعينات التى أديت فيها فريضة الحج

لآخر مرة ، وبين الحج اليوم ؛ سوف تجد من العجب العجاب !!

الحديث عن الحج قديما يطول خاصة مخاطر الطريق وقطاع الطرق .. إلخ ، عندما أديت فريضة الحج كانت هناك

إجراءات مشددة تقوم بها الهيئة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فى المملكة العربية السعودية ؛ على

سبيل المثال لم يكن مسموحا لنا بالتصوير

وأتذكر الشاب الهندى الذى إلتقط صورة لى على صعيد عرفات كان يخبى كاميرا فورية ماركة ” بولارويد ” تحت إحرامه

خشية أن يراه المطوع فيحطمها أمام عينيه ، ونرى اليوم حجاج بيت الله الحرام وهم يبثوا مقاطع فيديو مصورة لـ

توثيق رحلة الحج . موسم الحج حتى أواخر التسعينات على الرغم من الجهود الجبارة التى تبذلها المملكة لـ خدمة

حجاج بيت الله الحرام ،

إلآ أنها كانت محفوفة بالمخاطر والتهلكة التى احاطت بحجاج بيت الله ؛ أذكر منها ” الحرائق ـ حوادث الطرق والأنفاق ،

وعندما إنقطع التيار الكهريائى من نفق المعيصم ومات الآلاف ، والموت على كوبرى الجمرات .. وحدث ولاحرج ،

والحمد لله أن المملكة تغلبت على كل تلك السلبيات بإرادة وعزيمة صلبه وتصميم على آداء الحجاج مناسكهم فى

أمن وأمان وهذا فضل من الله ، ودعوة أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم التى أشرت إليها آنفا .

أتذكر أن آداء الفريضة كان متاحا لنا كوافدين مرة واحدة كل خمس سنوات ، ولكن على أرض الواقع كنت عندما تقترب

من مدخل العاصمة المقدسة بملابس إحرامك يعز على أفراد الأمن أن يمنعوك من الدخول ، وقد ألقى أحد الوافدين

من الجنسية المصرية ” صعيدى ” الإحرام فى وجه الشرطى عندما حاول منعه من دخول مكه وقال له : ذنبى فى

رقبتك إن مت وقد منعتى من آداء الفريضة ، اليوم نجد المملكة وقد وضعت قواعد صارمة على الدخول ومخالفة

التعليمات ، وقد أبعدت الآلاف لـ مخالفة تعليمات الحج من دون تصريح ، بل وتطبيق عقوبة الغرامة والحبس ، وهو ما

أثار حفيظة البعض لـ إنتقاد تصرف المملكة والغلو فى تطبيق أنظمة وتعليمات الحج وعملية التفتيش العشوائى

وإقتحام البيوت والقبض .. إلخ

وأعود لأوكد أن عملية منع دخول المخالفين إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وترحيلهم ؛ إنما هو من أجل أن

ينعم ضيوف الرحمن بالأمن والأمان والراحة والطمأنينة في أداء نسكهم ، خاصة وإذا علمنا أن فيزيتا الحج هذا العام

قاربت من النصف مليون جنية ، وأتذكر وأنا فى موقف الحافلات بجوار الحرم المكى قاصدا مسجد التنعيم الذى بُني

في الموضع الذي أحرمت منه أم المؤمنين السيدة عائشة أو مسجد ” الحل” بكسر الحاء كما يسميه العامه ، وهو

يبعد عن الحرم 7 كم ، كانت تجلس إلى جوارنا سيدة مصرية مسنة ، ويبدو أنها رقيقة الحال ، فهمس لى مرافقى

وهو صعيدى إبقى إدفع لـ خالتك الأجرة ، ضحكت السيدة وقالت : مستورة ياولدى الحمد لله . ودار بيننا حديث فهمت

منه أنها بائعة خضار فى بلدها وهى من شمال مصر ، وأنها للسنة السابعة تأتى كل عام فى شهر رمضان لـ آداء

العمرة ، وتتخلف حتى موسم الحج . بالطبع وفقا لـ الإجراءات التى تنفذها المملكة فى زمن التكنولوجيا يستحيل أن

يحدث هذا فى أيامنا ، أعود لـ ذكريات أبى وكان عندنا (عدة) الحج وعتادة ، وهى عبارة عن ” خرج ” بضم الخاء وهو

مصنوع من الصوف لـ يوضع على الدواب ويضع فيه الحاج متعلقاته وهو بديل للشنطة حاليا ، ” وقايش ” وهو حزام

عريض مصنوع من الجلد يلفه الحاج حول وسطه ، ويضع فيه أغراضه ، وقطعتى الـ إحرام ، وزمزمية الماء ، وحافظه

تتدلى من الكتف لـ وضع الأوراق المهمة مثل جواز السفر والنقود .. إلخ .

وكان كل حاج له نصيب فى القرعة قاصدا الحج يستعيرها من بيتنا ثم يعيدها بعد آداء المناسك . اللهم يسر لنا الحج

وأكتبه لنا حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا ، وأعد حجاج بيتك الحرام إلى ديارهم سالمين غانمين يارب

العالمين .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.