الدكتور محمود بدوى يكتب : عيد الأضحى والإيجابية

لو مرت على المرء ٍسنة لم يدرك فيها من خصائص ذاته، إلا أنه كائن يشعر ويتجاوب، لكان كل إدراكه في هذه الٍسنة، ولتمخضت عن هذا الإدراك اتجاهات كثيرة ومتعددة، تجتمع كلها لتحقق لهذا المرء ذاته التي بين جنبيه، ولتيقن أن الإله الخالق القادر والمدبر لأمور خلقه بحكيم تدبيره ومراده فيهم، خلق الإنسان لسعادة أبدية، ولنعيم مقيم، وذلل ما في الكون لهذا الإنسان طوعاً ليرتقي، ويشعر بهذا الارتقاء بأنه بحق سيد الكون!

إذا ماجت هذه المشاعر في عقل وقلب هذا المخلوق البسيط الذي جعله الله خليفته في أرضه، لأدرك أن هذه البساطة هي عظمة في الخلق والتكليف، ولقويت في نفسه دوافع التجرد الكريم إلى خالقه، ولتفانى في وصل من أوجده، ومنحه هذا الفيض الكبير من القوة والعظمة، وكان سلوكه الظاهر دليلاً على باطنه تقوى واحتساب دائم في قوة الفعل وفضل الأثر! هكذا تتضح في نفس العابد ما أعده المعبود له حال استقامته على الطاعة، وعلى الوفاء بوعده وعهده (وحملها الإنسان ،….)، وكان السلوك الذي يبديه اتساقاً وانسجاماً مع هذا التكليف البديع، الذي وجد لإذكاء القناعة بحق الخالق على عباده بالطاعة لأنه الخالق الكريم المقتدر، والمدبر لكل أمور الخلائق، صاحب العظمة والسلطان، من لا إله غيره، واهب الحياة والنعماء، رب كل شيء ومليك كل شيء، ملك الملك، ومن إليه المصير.

وفى خلق الكريم آيات بينات، تارة في تفضيل الخلقة، وتارة في تفضيل الخلق، لا لشيء إلا لأن الكريم قد أحاط

بالموجود علماً لا تعيه الأفهام العادية، ولا تدركه إلا البصائر النقية، وفى ذلك ليتدبر الإنسان، وما له إلا ما سعى من

فعل الجوارح، أو إتيان المنهج، فيا نفس رويدك انظري إلى أمر خالقك، تجدين متعة في التدبر، وروعة في التفكر،

ويقيناً في السلوك، من ذا الذي يهب عند خالقه نفسه له، ويترك ما تخوله مرادات الهوى لينعم بالرضا الكامل والعطاء

غير المحدود أو المعلوم…

عيد الأضحى لو تدبرنا آيات الحكمة والعظمة لوجدنا مرامي أسمى في إدراك المعنى، وانصرف القلب والعقل إلى

المغزى، أدرك الخليل عظمة الخالق في طلب التضحية، وكان اختباره عظيماً وجللاً ، إلا أن العابد الحق، للمعبود الحق

يسلم من فرط إيمانه وصدق عزيمته، فتكون رغبته في تجاوز الأمر هي، هل رضي عنى الإله، هل كان الفعل مساوياً

لقدري عنده، هل استحقت نفسي هذا الابتلاء، وهل صدق قلبي ما أتى به فعلي، يا رب هل من مجيب لما في

نفسي، أقدم نفسي لربى، وأبذل مع نفسي نفيس نفسي، فلذة كبدي، يا رب هل من قبول، هل من إجابة لما يدور

في نفسي؟

إن الإجابة عظيمة ونجاح العابد في الابتلاء كان في علم العظيم كائن ،(وفديناه …)، الله جعل الكريم لعبده هبة من

فضله، وإجابة لتأوهات نفسه، فكان الجواب شافياً كافياً، ونبض القلب بالحمد والتسبيح، يا إلهي الكريم المرتجى،

أحمدك يا إله الكون وخالقي، وأشكرك على ثبات قلبي على طاعتك، ورسوخ الإيمان عندك، وبلاغي الكريم منك….

إنها إيجابية أن تكون عند حسن الرجاء وأن ترسخ في الإيمان طاعتك وأن تتخلص من علل ذاتك لتستبدلها بمقومات

العمل الصادق الذي يرى أثره شاهداً على موقفك أبداً، ودليلاً على الحق في صدق طويتك ودافعاً لك لتجويد العمل

وأمناً في مستقبل الوصل الذي به الفوز بنعيمي الدنيا والآخرة، …

فطوبى لمن ترك ما يشين نفسه، وأودعها يقيناً، ونوراً في مسلك التقوى، والحمد المتصل بالأفعال والأقوال التي

ترسم جانب الإيجابية في السر والعلن، فعيد هو تجديد الذات، وعيد هو في ترك ما لا يزيدها إلا خبالا…!

كاتب المقال أستاذ أصول التربية

ووكيل كلية التربية جامعة المنوفية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.