الكاتب الصحفي إبراهيم نصر يكتب: عبادة إطعام الطعام
أمر العبادة – كل العبادة – مبناه على تعظيم الله جل وعلا، وتعظيم شعائره، وإذا كان هذا هو المقصود من تنفيذ أوامر الله تعالى، فإن هذا أيضا هو المعين على تنفيذها، والناظر في الآيات التي تتكلم عن الذبائح سواء كانت هديا في حق الحاج أو أضحية في حق غيره، يجد قول الله تعالى في ختام الحديث عنها: “لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ..”،
وقبلها في ثنايا الحديث عن الحج نجد قوله تعالى: “ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ..”، فتعظيم الله وتقديره حق قدره يملأ القلب يقينا بأن الملك العظيم لا يأمر بعبث، بل له في كل أمر حكمة، ومن وراء كل تشريع مقصد، على خلاف ما يروج المكذبون المتطاولون على شعيرة الذبح بدعوى الرفق بالحيوان، وهؤلاء المتسربلون بثياب التنوير والتثقيف هم من أبعد الناس عن الفكر السليم والثقافة الصحيحة، وقد اعتدنا منهم أن يخرجوا علينا بين الحين والآخر بشبهات أكل عليها الدهر وشرب، وقد سئم العلماء الرد على شبهاتهم، لكونها واضحة الضلال وظاهرة الحقد على الإسلام وأهله وشريعته.
تكوين شيطاني يناصب الله ورسوله العداء
فدعونا من هؤلاء وأولئك الذين اشتروا الدنيا بالآخرة مهما علا صوتهم وذاع صيتهم
وصاروا تكوينا شيطانيا يناصب الله ورسوله العداء، ويخاصم الثقافة العربية والثوابت الدينية،
ولننظر إلى عطاء الله تعالى للمسلمين في يوم عرفة: “ارجعوا عبادي مغفورًا لكم ولمن شفعتم له”،
كما نرى أن الأضحية فيها توسعة على المسلمين وتقوية للتكافل والتواد بينهم، ما يجعل المجتمع المسلم نسيجا واحدًا،
القادر فيه يقف بجانب الضعيف، والغنى يعطى الفقير، وهذا هو لب الشريعة ومقصدها، وتقوية لمبدأ التواد والتراحم بين المسلمين جميعا،
بل بين المسلمين وغيرهم.
“كلوا وتصدقوا وادخروا”
ومن أحب العبادات إلى الله: عبادة إطعام الطعام، فإن شريعة الإسلام لا تعرف ذلك المجتمع الذي يموت بعض أبنائه شبعا وتخمة،
بينما يموت البعض الآخر جوعا، وإنما تعنى بأن يتقاسم الناس فى المجتمع الواحد كل شيء حتى الشدائد،
وفى ذلك يقول نبينا – صلى الله عليه وسلم ـ فى معنى الحديث: “ليس منا من بات شبعانا وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم”،
فإذا كانت الأضحية التي هي من السنن المؤكدة التي تؤدى بعد صلاة عيد الأضحى وحتى انتهاء أيام التشريق،
فقد جعل لها رسول – صلى الله عليه وسلم – فقها خاصا، حيث أمر أصحابه أن يأكلوا من لحوم الأضاحي ويتصدقوا ولا يدخروا فوق ثلاث،
فلما كان العام القادم ذكروا له ذلك وما فيه من المشقة عليهم، فقال لهم: “كلوا وتصدقوا وادخروا”.
فهو فقه إذاً وتناغم مع الواقع وتبصر بحال الناس ومراعاة لأوقات الحاجة، فما أحوجنا في أيامنا هذه إلى أن نعظم الله سبحانه وتعالى
ونمتثل أمره وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم وأن نطبق الشرع الشريف تطبيقا واعيا يعرف المرادات الشرعية ويمتثل المقاصد الفقهية،
فليس من المروءة ولا من الدين أن يتحجج الذى اعتاد على ذبح الأضحية بارتفاع ثمنها فيمتنع عن الذبح،
بل علي القادر أن يتوسع فى أضحيته مراعاة لأحوال الناس التى لا تأكل اللحم إلا فى العيد،
ولبيان تعظيم الله لشعائره التى منها الأضحية، قال تعالى مخاطبا أمة الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم -:
“ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ” آية 32 من سورة الحج.
اللهم ارزقنا حج بيتك واهدنا صراطك المستقيم، واحفظ مصرنا، وأدم أمننا، واجمع على الحق شملنا.. اللهم آمين.