عبد الناصر البنا يكتب: التصعيد على الحدود .. فى مصلحة من ؟!!

عبد الناصر البنا

سؤال يبدو للوهلة الأولى أنه أكاديمى أو عنوانا لحلقة نقاشية على إحدى الفضائيات تضم عددا من الخبراء الاستراتيجيين والقادة العسكريين والمتخصصين فى الأمن القومى وشئون الدفاع ، ولك أن تتخيل عبء إتخاذ القرار فى مثل هذه المواقف لو قرأت كتاب الأستاذ موسى صيرى الصادر عن مؤسسة أخبار اليوم فى أكتوبر 1977/ 1397 بعنوان ” وثائق حرب أكتوبر ” سوف تدرك حجم معاناة الرئيس السادات فى إتخاذ قرار حرب أكتوبر 1973 .

عبء إتخاذ القرار الذى يقع على الساسة ومتخذى القرار فى مثل هذه الأمور ليس بالأمر الهين ، خاصة فى ظل شارع يغلى ومجتمع عربى خانع خاضع متخاذل مطبع .. وإن شئت قل ، وأيضا فى ظل نوبات غير مسبوقة من الجهاد على ” الكيبورد ” تحض على القتال ، وقد طالعتنا وسائل التواصل الإجتماعى والـ Social Media بمواقف لأفراد وفنانين تثير الضحك أكثر ماتدفع إلى الحرب والقتال ، إلهام شاهين على سبيل المثال تقول : أنا أول واحدة هنزل أحارب لو حد قرب من مصر .

مصر يافنانه فيها جيش مغوار وفيها أبطال قال عنهم رسولنا الكريم ﷺ خير أجناد الأرض ، محمد رمضان فى تغريدة له قال : السلاح هيصدى وإحنا لازم نحارب ، ومؤخرا قال : هنفضل لغاية إمتى نحارب بالموبايل . والحقيقة يعف اللسان عن الرد ، خاصه بعد أن أطلقت جماعة الـ إخوان لجانها وذبابها الألكترونى للنيل من شرف مصر وتخاذل قادتها عن الدخول فى حرب ضد الكيان الصهيونى ، وكأن على مصر وحدها عبء تحرير القدس من دنس اليهود ، وقد صدعونا زمان بشعاراتهم ” ع القدس رايحين .. شهداء بالملايين ” وأثبتت الأيام أنهم مدعين وتجار دين .. ولايستحقوا حتى الإطالة فى الرد عليهم !! .

ولك أن تتخيل معى عزيزى القارىء موقفا عشناه فى شهر يونيو 1995 عندما تعرض الرئيس الأسبق محمد حسنى

مبارك ” رحمه الله ” لمحاولة اغتيال بعد وصوله إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا للمشاركة في مؤتمر منظمة الوحدة

الأفريقية على يد أفراد من جماعة الجهاد الإسلامي بدعم من السودان بعد ثبوت تورط نظام الرئيس عمر حسن

البشير فى مؤامرة الـ إغتيال وتقديم الدعم المادى واللوجيستى والسلاح والجوازات .. إلخ للمعتدين ، وأعتقد وقتها

كان الرأى العام السائد ضرورة توجيه ضربة أو عملية خاطفة ضد السودان على غرار العملية التى قام بها الرئيس

السادات فى ليبيا نتيجة لتوتر العلاقات بينه وبين العقيد الليبى معمر القذافى .

تخيل معى لو خضع الرئيس مبارك لتلك الضغوط وقام بتوجيه ضربة محدودة للسودان كرد فعل يراه البعض طبيعى جدا

على محاولة الـ إغتيال الفاشلة .. وماهو مستقبل العلاقات مع السودان الشقيق بعد تلك العملية وفى الأذهان تهور

الرئيس صدام حسين وغزوه لـ دولة الكويت عام 1990 الذى كان سببا فى تأخر العرب لمدة 50 عاما !!

إتخاذ قرار الحرب يخضع لإعتبارات وتقدير جهات سيادية وفقا لدراسات مستفيضة وإعتبارات قد تغيب عن بالنا ونحن

نكتب ونجاهد ، ونطلق التصريحات العنترية ، ولدينا 100 مليون منظر وناقد فى الكورة والطقس والمناخ وخبير أمنى

وإستراتيجى ، وفى الصحة والطب والفلك والطهارة وتوليد الماشية ، فى وقت نعانى فيه من أزمات خانقة وحصار

دولى محكم ورأى عام كما ذكرت ضاغط ، نعم قد يكون لـ ضغط الرأى العام دورا فى إتخاذ هذا القرار ، وقد يمثل بدورة

ضغطا من جهة أخرى على الطرف الثانى المعتدى . لكنه ابدا لن يكون الوحيد !!

نعم قد يستغل البعض حوادث متفرقة هنا وهناك قد تحدث على الحدود نتيجة للعمليات الدائرة على مرمى حجر ،

لكن هل سألت نفسك سؤال : هل كلامك هيغير من سياسة الدولة وجيشها وتقدير الموقف ومن خطط قواتنا

المسلحة .. الإجابه عندك ؛ وإعلم أن الكلمة أمانة ، وفكر شوية قبل ماتكتب لأنها أيضا مسئولية أمام الله ؟

ويجب أن تكون مؤمنا بعقيدة المقاتل المصرى ” إما النصر أو الشهادة ” وأوعى تفتكر أن فى حد من بره مصر يهمه

مصلحتك أو كونك تكتوى بنار الغلاء .. أبدا فالبعض يصب الزيت على النار ليقف موقف المتفرج ، ولك أن تتخيل الشاعر

السورى ” محمد الماغوط ” شاعر التمرد والحزن الذي سكن الإنسان العربي ، وهو يصف حال أمتنا العربية المتخاذل

ويقول : أكاد أجن فعلا وأشعر بالعجز والحيلة .. إلخ .

عمرك سألت نفسك عن الأمن إللى عايش فيه مع زوجتك وأهلك وأولادك سببه إيه والدنيا من حواليك مابين نازح

ولاجىء وقتيل ؟ بكل تاكيد سببه الناس أخواتك وأهلك وأولاد عمك وجيرانك إللى واقفين على الحدود فى لهيب

الشمس وصقيع الشتاء وأنت تنعم بالدفئ تحت غطاءك الوثير ، أنت لو عاوز تقاطع قاطع ، قاطع منتجات هي من

إنتاج شركات تابعة لإسرائيل أو شركات عالمية تدعم الجيش الإسرائيلي ماديًا أو معنويًا أو تصرح بموقفها المؤيد

للصهيونية والعدوان على الفلسطينيين واستيلائها على أراضيهم ، قاطع الأغذية والمشروبات والملابس والأجهزة

الإلكترونية والسيارات .. وغيرها ، وهذا قرارك !!

عاوز تقاطع ” فيس بوك ” وتضغط على مارك علشان بيمنع فيديوهاتك بإنتهاكات غزة إعمل إللى إنت عاوز تعمله ؛

بس بلاش تنظر أو تضغط علشان ندخل الحرب ؛ وأعلم ان الحرب الكاسب فيها خسران ، حط ثقتك فى جيشك

وقيادته .

وأختتم بقول الله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا

شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .. حفظ الله مصر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.