عبد الناصر البنا يكتب : القمح الليلة .. ليلة عيده !!

عبد الناصر البنا

القمح الليلة ليلة عيده .. يا رب تبارك و تزيده عمره ما بيخلف مواعيده .. يا رب تبارك و تزيده ، وأكيد كلنا فاكرين هذه الأغنية الشهيرة التى قدمها الراحل محمد عبد الوهاب ، والتى أصبحت الأغنية التى ترمز لموسم حصاد القمح فى قرى محافظات مصر . وبما إن الجواب بيبان من عنوانه .. هنتكلم عن ” القمح ” !!

القمح .. هو البر وهو “الحنطة” عتد قدماء المصريين ، وهو فى الحلم بشرة خير ، ودلالة إلى المال الحلال والحظ السعيد ، وهو أيضا رمزا للمناسبات السعيدة والأخبار السارة . وهو الخبز أو ” العيش ” أى ” الحياة ” فى الموروث الثقافى المصرى ، ومصدر البروتين للعامة منهم قبل الخاصة ، وهو “ذهب الأرض” الذي يمنح المصريين الحياة وفقا لكتاب الباحثة الأميركية ” جيسيكا بارنز ” الذى يتحدث عن قصة القمح والخبز في مصر على مدار القرن الـ20 وحتى اليوم .

ودعونا نتفق من البداية على حقيقة مفادها أنه } من لايملك قوته لايملك قراره { ولكى تحافظ علي حريتك لابد أن تكون كرامتك فوق كل إعتبار ، وأن يكون لديك كل أسباب القوة بما فيها الإكتفاء الذاتى الذى يعزز إستقلال قرارك السياسى بعيدا عن الضغوط التى تمارسها الدول المصدرة لـ ” القمح ” كمصدر للغذاء !!

ولكى نستوضح خطورة الموقف ، وما مدى أهمية القمح كونه أهم محصول إستراتيجى لمصر ، أود أن أشير إلى عدد من الأرقام والإحصائيات الصادرة عن مسئولين وعددا من الجهات الرسمية فى مصر والعالم ، ووفقا تصريحات مستشار وزير الزراعة المصري لـ CNBC عربية ، أن إنتاج مصر من القمح يمثل نصف حجم الاستهلاك في الوقت الذى يزيد فيه حجم المساحة المزروعة بالقمح ليتجاوز الـ 3 ملايين فدان . وأنه من المستهدف تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح بنسبة 60%.

وقد بلغ خجم إنتاج مصر من القمح في العام 2022 ، بحسب بيانات مجلس الوزراء المصري لـ 10 ملايين طن ، ومن المتوقع أن يحافظ إنتاج مصر من القمح على مستوياته خلال العام المالي 2023-2024، طبقاً لبيانات وزارة الزراعة الأمريكية . أما وارداتها من القمح فقد بلغت في العام 2023 حوالي 10 مليون طن ، غالبيتها من روسيا وأوكرانيا ، وبنسبة 68% تقريباً .

لكن الشىء المؤكد أن أسواق القمح العالمية عرفت كثيراً من الاضطرابات خلال العامين الماضيين ، وتحديداً منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية ، وتأثيراتها الممتدة ، والتي عانت منها الأسواق المصرية بشكل كبير ، بالنظر إلى معدلات استهلاك القمح وإنتاجه فى مصر . وهو الأمر الذى جعلها تسعى إلى فتح أسواق جديدة منها الهند ليصل إجمالي عدد البلدان الموردة للقمح 22 منشأ.

وقد تصدرت مصر قائمة الدول الأكثر استيراداً للقمح في العالم ، فى الوقت الذى تراجعت فيه نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح في البلاد إلى 48.2% في 2022 ، وفق إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء . ومع ذلك ظلت أزمة القمح الحقيقية فى مصر هى .. كيف تتم زيادة الإنتاجية وخفض معدل الفاقد ؟

ولكن بعد الإنتهاء من المشروع القومى للصوامع لزيادة سعتها التخزينية ومع تطور إنتاج مصر من القمح على مدار العشرة أعوام الماضية وزيادة الأراضى المزروعة قمح ، ورفع سعر طن توريد القمح للمزارع وتقديم العديد من التسهيلات له ، قد تحتاج مصر خلال العام الجاري 2024 لإستيراد ما مجموعه 7.7 مليون طن من القمح ،

ونظرا لكون القمح سلعة إستراتيجية وأساسية لاغنى لأى مصرى أو مصرية عن وجوده على مائدة طعامه ، بل أن

الأمر وصل إلى تقديسه عند قدماء المصريين حيث قدم قرابين للآلهه ، فإن أى نقص فى إمدادات القمح يشكل عبء

مادى كبير على الاقتصاد المصرى ويهدد أمنها الغذائى ، وقد إزداد الأمر تعقيدا نظراً للعوامل الجيوسياسية الحالية

التي تضغط على الأسواق بشكل ملحوظ ، ومن بينها الحرب في غزة منذ السابع من شهر أكتوبر ، علاوة على

الزيادة السكانية ، وارتفاع أعداد اللاجئين في مصر من جنسيات عربية مختلفة . ولذلك تشير تقديرات وزارة الزراعة

الأمريكية إلى أن معدل إستهلاك القمح فى مصر سوف يصل لحوالي 20.5 مليون طن ،

والحقيقة أنه لايوجد دولة فى العالم يمكن أن تستهلك مايعادل الـ 20 مليون طن من القمح فى العام ، لكن هذا هو

الواقع الذى نعيشه ، والذى يشكل عبئا كبيرا على الموازنة العامة للدولة فى الوقت الحالى ،

ولعلنا نتذكر كيف شكل القمح صداعا مزمنا فى رأس الدولة المصرية منذ العهد البائد بدءا من نوعية القمح الذى يتم

إستيراده ، وظهور فئه من المنتفعين من عملية الـ إستيراد ، مرورا بإستيراد أنواع بعينها من القمح بها مواد مسرطنة

وغريبة ورصاص وفطريات وبذور حشائش سامة وعدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي أو الأغراض الصناعية أو إستيراد

قمح من أردأ بورصات القمح فى العالم من القمح المخصص ” علفا للماشية ” ، وإزدياد نسبه التالف من الخبز نتيجة

لإستيراد تلك الأنواع الرديئة من القمح .. إلخ

والحقيقة أن الدولة المصرية تبذل حاليا العديد من المحاولات من أجل تحسين جودة الخبز فى محاولة لسد الفجوة

بين الإنتاج والإستهلاك ، إما بإستنباط سلالات جديده من المحاصيل ذات إنتاجية أعلى ،

وأيضا بإضافه الذرة الشامية إلى القمح بنسب معينه ، وحاليا هناك دراسات صادرة من المراكز البحثية بإضافه الشعير

إلى القمح وكذلك زيادة الرقعة الزراعية المزروعة بالقمح .

بقى أن أشير إلى أن واردات مصر من القمح وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، تجاوزت المليارى

دولار فى الفترة من يناير وحتى أغسطس 2023

ويبقى السؤال : هل يكفى أمن مصر الغذائى زراعة محاصيل أكثر ربحا من القمح ؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.