الدكتور علاء رزق يكتب : النزيف الإقتصادى والمخاض الجديد (٢)
تناولنا فى المقال السابق أنه بعد مرور مائتى يوم على بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، يبدو أن التوقعات المتعلقة بالإقتصاد الإسرائيلي ستبقى سلبية، وستؤدى إلى إنهيار في معدل النمو،بل وإنهيار الكيان معها ،وذلك إذا ما أخذنا فى الحسبان إمتداد الحرب للشهر السابع على التوالى ،مما يعنى أن التكلفة الكلية لهذه الحرب قد تتعدى 600 مليار دولار.
وبالتالى فإن ما يحدث على حدودنا الشرقية نرى أنها قد تكون بداية مخاض جديد لهذه المنطقة التى كتب عليها أن تعيش قروناً من الصراعات المختلفة، وأننا على أعتاب مرحلة بداية نهاية المشروع الصهيونى ، الذى دأب على تكرار الأخطاء مثلما حدث في إدارة الإقتصاد الإسرائيلي بعد حرب أكتوبر عام 1973 والتى صاحبها ما يعرف بـالهزة الاقتصادية، والتى أفرزت عقد إقتصادي ضائع
وأنه كنتيجة مباشرة وفورية للحرب الحالية، سنرى في المستقبل مزيجاً من بيئة أمنية مليئة بالتحديات، وزيادة في النفقات الأمنية، وإنخفاض الإستثمارات الأجنبية المباشرة.كل ذلك قد يكون إشارة على عقد إقتصادي ضائع كما حدث فور إنتهاء حرب أكتوبر 1973،والتى إستمرت تداعياتها الاقتصادية حتى عام 1985.
ولتجنب هذا السيناريو السلبي، يجب على الإدارة الإسرائيلية التحرك بكل مسؤولية وفي أسرع وقت من أجل تجنبه ،والحد من الأضرار المستقبلية على إقتصاد إسرائيل.وهو ما يدركه معظم رجال الفكر اليهودي بأنه في حروب التحرير لا يمكن هزيمة العدو وإنما إرهاقه حتى يسلم بالأمر الواقع ،فعلى سبيل المثال المقاومة في فيتنام لم تهزم الجيش الأميركي وإنما أرهقته لدرجة اليأس من تحقيق أهدافه
وهو ما فعله المجاهدون الجزائريون على مدى ثماني سنوات في حرب تحرير بلدهم من الإستعمار الفرنسي.إضافة إلى ما يدركه رجال الدين اليهودي فى إقتراب نهاية المشروع الصهيوني، لأن دولة إسرائيل دولة عنصرية تعاني من مشكلة ديمغرافية.
فالعرب يتكاثرون واليهود يتناقص عددهم من خلال النزوح وانقطاع الهجرة والإحجام عن الإنجاب.والأخطر من ذلك هو
سقوط الإجماع الصهيوني على نظرية أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، فقد وجد اليهود شعبا حيا مقاوما في
فلسطين ولم يستطيعوا توحيد صفوفهم كشعب واحد.لتكون النتيجة التى يجب أن ندركها جميعاً، هى إستحالة حل
مشكلة المقاومة.ونفسياً فإن القلق بشأن زوال إسرائيل يعتبر قضية حساسة لليهود،إذ يثار الشك في مستقبل
الدولة اليهودية نفسها.
حيث يشير الإسرائيليون أنفسهم إلى أمثلة تاريخية تبين أن مملكة داود وسليمان، التي كانت الدولة اليهودية
الأولى، لم تستمر لأكثر من 80 عاماً، وبالمثل مملكة الحشمونائيم ، الدولة الثانية لليهود، انتهت في العقد الثامن
من تأسيسها،
بينما إسرائيل، وهي الدولة الثالثة لليهود، تقترب من العام السادس والسبعين من التأسيس، وبالتالى فإن الصراعات
الداخلية في إسرائيل ،وهاجس الثمانين من أهم ما يؤرق رجال النخب الفكرية في إسرائيل ،رغم ما تبدو إسرائيل
عليه من تماسك في الشكل، فالشعور بالإقلية يغذي فكرة الإستبسال في الدفاع عن النفس، وهي تحاول منذ
احتلت فلسطين، أن تبرهن بأن القوة هي التي تصنع التاريخ وتوجه مساره كيفما تشاء، لكن في المضمون، لم
تجعلها هذه القوة دولة آمنة لشعبها، ضامنة لبقائها، مطمئنة لإستمراريتها، وكلما تقدم بها الزمن، شعرت بقرب
زوالها.
وبالتالى فإن نهاية دولة إسرائيل، لم تعد ضرباً من الوهم أو التنبّؤ بالغيب، بل إنها تتحقق في الميدان، بسواعد
المقاومين للإحتلال، فالكيان إسرائيل زائل في النهاية طال الزمن أو قصر، لأن الوعد الإلهي قادم لا محالة.
ما نؤكد عليه أن حكومة نتنياهو تخفي حقيقة خسائرها الإقتصادية لكي لا تشوش على مجريات المعركة في قطاع
غزة ،فديون إسرائيل الخارجية تعدت حاجز ال 300 مليار دولار تمثل ثلثى حجم الناتج المحلي الإجمالي ،كما أن
المستقبل حافل بالمفاجآت.. ونحن في ذروة التفاؤل.
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام