عبد الناصر البنا يكتب : مصر التى فى خاطرى !!
كلامى يبدو أنه مكرر وسطرته الأقلام عشرات بل مئات المرات قبل ذلك ، أضطر لأن أعيده على حضراتكم من باب { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } خاصة وأن ذاكرتنا أصبحت بعافية حبتين اليومين دول !!
عبر أثير الراديو تسللت إلى مسامعى بعض الأغنيات الوطنية التى أذيعت بمناسبة إحتفال
مصر بعيد العمال ، أرهفت سمعى للإستمتاع بجمال الصوت واللحن ورصانة الكلمات ،
والحقيقة أننى عندما وصلت إلى الكلمات التى يقول فيها شاعر النيل حافظ إبراهيم على
لسان مصر التى تتحدث عن نفسها .. أنـــــا إن قــــدَّر الإلـــــه ممـــــاتــي ، لا ترى
الشرق يرفع الرأس بعدي .. مــا رمــاني رامٍ وراح سلـــيمـــاً ، من قــديم عنايـــة الله
جنــدي ، وجدت نفسى أقول الله بصوت عالى .
عمق المعنى فى هذا المقطع يدلل وكأنما هى رسالة لأمتنا العربية مفادها خلوا بالكم لو مصر لاقدر الله جرى لها
حاجة مش هيبقى ليكم وجود فى الدنيا ، دا بخلاف معانى تانية أكثر عمقا فى القصيدة ، وخد عندك
” أنا تاج العـــلاء في مفــرق الشرق ـ إن مجــدي في الأوليات عريــق ـ كـم بغـت دولـة عليّ وجــارت ثم زالت ــ
إننــــي حُــرة كسـرت قيـــــــودي رغم أنف العدا .. إلخ .
لما تسمع هذه الكلمات تقدر تعرف بسهولة إزاى الفن كان بيخًدم على الأهداف القومية للدولة ، تعالى معى نشوف
ثورة يوليو 1952 إزاى خلدتها السينما المصرية فى أعمال زى ” رد قلبى ـ الأيدى الناعمة ـ الحقيقه العارية ـ بورسعيد
ـ الباب المفتوح ، وأعمال تانية مهدت للثورة وحاولت أن تبرز سلبيات الحقبة الملكية فى مصر وفساد الملك والحاشية
. والأعمال دى تحديدا تطلبتها المرحلة ، وهى تعيدنا لسؤال جدلى من الذى يكتب التاريخ ، ولمصلحة من يكتب
التاريخ ، وهل المنتصر هو الذى يكتب التاريخ .. إلخ
وتقدر تفكر فى الإجابة وأنت بتشوف أفلام زى : القاهرة 30 ـ في بيتنا رجل ـ بداية ونهاية ـ غروب وشروق .. إلخ ،
ثورة يوليو وهذا الكلام قديم قدم الزمان أثرت على كل مناحى الحياة فى مصر ، وعلى القوة الناعمة أو الفن عموما
من ” سينما ـ لمسرح ـ لأغانى ” حتى الإذاعة والتليفزيون فى وقت لاحق كان لهما بالغ الأثر فى هذه الفترة .
السينما فى مصر كانت وسيلة من وسائل الترفيه والتثقيف للشعب ، وما ننساش كمان أن السينما وقتها عملت
أفلام تحفز الشباب على الإنخراط فى الخدمة العسكرية كان إسماعيل يس بطلها وحملت عناوينها إسمه ”
إسماعيل يس فى الجيش ـ فى الطيران ـ فى الأسطول ـ فى الحربية .. إلخ .
أما الأغانى فحدث ولاحرج وبكل بساطة تقدر تطلق على ” أم كلثوم ـ وعبدالحليم ” أنهما مطربي ثورة يوليو 52 مع أن
” أم كلثوم ـ وعبدالوهاب ” تحديدا لما قامت الثورة كان صدر قرار بمنع إذاعة أغانيهما لأنهما كانا محسوبين على
الملك فاروق ، وتغنيا بإسمه ، ولكن جمال عبدالناصر كان عنده بعد نظر وألغى هذه القرارات ، وأعادت الإذاعة بث
أغانيهما .
الفتره دى تسابق فيها معظم المطربين إلى الغناء للثورة و لجمال عبد الناصر شخصيا ، لدرجة أن الأمور زادت عن
حدّها ، ويمكن دا إرث موجود فى كل عصر ، وأعتقد أن مفيش رئيس فى مصر ماتغناش ليه أو عليه ، برضه الفن كان
له دور لتجاوز هزيمه 1967 ، إللى عاوز اقوله أن مصر شهدت ثورات عديدة وأحداث جسام كان الفن مساند ومدعم
لها بطريقة أو بأخرى .
ولكن هل الفن فى الفترة الحالية مساند ومدعم للدولة المصرية ؟ وهل بعدما شهدت مصر ثورة يناير 2011 وثوره 30
يوليو هل إستطاعت أى وسيلة فنية أن ترصد وتوثق هذه الثورات في عمل فني متكامل بالقدر الذى يجعلك تقول أنها
تليق بها أو أنها على مستوى الحدث .. الرأى لكم ؟
أنا ليه بأقول الكلام دا ، وليه كل هذه المقدمة الطويلة ، علشان أقول أننا لابد أن نفيق ، حتما ولزما لابد أن نفيق ،
فمصر التى تصدرت العالم العربى شعرا ونثرا وأدبا وثقافة وعلما ومسرحا وسينما .. وإن شئت قل ، هل يصح أن يكون
هذا هو حالها ؟ هل يصح أن يسحب البساط من تحت أقدامها بهذه السهولة ؟ وهل يصح أن يكون هذا هو إعلامها ؟
وأن يتصدر إعلامها مأجورين منهم من يعمل لخدمة أسياده فى دول النفط ، ومنهم المزعور والموتور والمنافق
والمطبل .. والبقيه نعلمها جميعا ولا داعى للخوض فيها ، هل هذا هو الإ علام الذى يليق بالمرحلة ؟
والله لا .. وألف لا ، إن بوصلة ” الثقافة ــ والاعلام ” تحديدا ، فى مصر تحتاج بل يجب أن نعيدها إلى الطريق الصحيح .
وعلى ذلك يمكنك أن تقيس على مجالات أخرى كثيرة مثل ” السينما والمسرح والغناء ” بل وكل مايتعلق بقوتنا
الناعمة
برأيك هل يصح أن يتصدر المشهد ” بيكا وشاكوش ومطربى المهرجانات ” وهل هذه هى قوتنا الناعمة التى نصدرها
للعالم ؟ وهل يصح أن تحتفل المراكز الثقافية فى مصر والجامعات الأجنبية ومنها الجامعة الامريكية AUC وتكرم ”
كزبرة ” ويحتفل معهد جوته بأوكا وأورتيجا !!
ما معنى أن تنفق المليارات وأعود لأقول المليارات فى بلد (تئن) من وطأه الديون على كل هذه المسلسلات
والإعلانات دون أن تكون هناك قيمة حقيقية أو فائدة تذكر بإستثناء عمل أو إثنين ، هذا هو السفه بعينه فى بلد يجب
أن تشد الحزام حتى تعبر المرحلة ، الكلام كثير ومحفوظ ومكرر ولا داعى للإطاله فيه، فقط نرجو وندعو الله أن يهدينا
إلى الطريق القويم إنه نعم المولى ونعم النصير .. حفظ الله مصر .