عبد الناصر البنا يكتب : أوضاع .. مقلوبة !!
الأيام القليلة الماضية تعرضت لوعكة صحية ، ويبدو أن المرض يعطى للانسان فرصة كبيرة للتأمل والتدقيق فى الأشياء المحيطة به ، وإن شئت قل فى ” أوضاعنا المقلوبة ” ونحن دولة ” غنية ”
مصر دولة غنية بموقعها ومواردها وثرواتها الطبيعية ، وبعقولها الجبارة وبوفرة الأيدى القادرة على العمل وهذه نعمة قل أن تجدها فى دول كثيرة تلهث وراء إستقطاب شباب قادرين على العمل مثل ألمانيا وغيرها .
ويخطى من ينظر إلى الزيادة السكانية كونها عبء ، هى ” نعمة ” ولكن لأننا ننظر تحت أقدامنا لانعرف قيمتها ـ وكما ذكرت فإن الدول الصناعية الكبرى تتهافت على إستقطاب الأيدى القادرة على العمل بل وتضع برامجها التأهيلية فى الدول النامية من أجل تدريب وتأهيل هؤلاء الشباب لسوق العمل لديها ، وأتمنى أن تفطن الدولة للمنح التى يقدمها الإتحاد الأوربى والدول المانحة لتطوير التعليم الفنى والتكنولوجى ، وعذرا إن كنت قد بعدت بعض الشىء عن ما أردت الكتابة عنه .
تصدرت وسائل التواصل الإجتماعى والـ Social Media حملات مقاطعة الأسماك لإرتفاع سعرها بعناوين مختلفة عينة ” خليها تعفن ” إلخ ، لكن الشىء الذى يحيرنى إيه إللى خلى السمك وجبة الناس الغلابة يرتفع سعره بهذا الشكل الجنونى ، وبالأمس القريب إفتتحت الدولة مشاريع عملاقة للاسماك فى ” غليون ” وغيرها لدرجة أننا إعتقدنا أننا هنفتح الحنفية تنزل لنا سمك وجمبرى !!
دا بخلاف أن مصر تطل على بحرين وفيها نهر النيل وفيها أكبر بحيرة خلف السد العالى فى أسوان ، وعدد لا بأس به من البحيرات ” البردويل ـ البرلس ـ قارون ـ المنزله ـ إدكو ـ مريوط ـ البحيرات المره ـ .. إلخ ” . أليست هذه أوضاعا مقلوبه ؟
وبعدين راحت فين شركات صيد وتصنيع الأسماك فى مصر ، فين المعهد القومى لعلوم البحار والمصايد ، فين أيام ماكانت الثروة السمكية في مصر واحدة من أهم مصادر الدخل القومي ؟
مصر واحدة من دول كتيرة تعانى أزمات إقتصادية طاحنة للأحداث التى يشهدها العالم ، وتضييق من دول بعينها فى محاولة للضغط عليها فيما يتعلق بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء إلخ . والحقيقة أن الدولة تبذل مافى وسعها لإمتصاص حدة التضخم وإرتفاع الأسعار ، لكن الشى المحير أن الدولة لاتزال تفتح صدرها لكل من هب ودب لدخول
أراضبها !!
قد تكون الدولة قد فطنت مؤخرا لتدقيق أو تقنين أوضاع الوافدين إليها أو كما يحلو أن نطلق عليهم “الضيوف” ولك أن
تتخيل بعد أن تآكلت الطبقه الوسطى فى المجتمع المصرى ، فى ظل واقع صعب يعيشه المواطن وموجات غلاء
إكتوى الغنى والفقير بنارها ، وقد عجز المواطن عن تلبية متطلباته ” الأساسية ” ليفاجأ بأن هناك ما لا يقل عن 9
ملايين مهاجر ولاجىء يعيشون في مصر من نحو 133 دولة وفقا لبعص التقارير ، ويحملهم المواطن على أكتافه .
وتشير التقارير إلى أن 60 % من هؤلاء المهاجرين يعيشون في مصر منذ حوالي 10 سنوات ، و 6 % يعيشون باندماج
داخل المجتمع المصري منذ نحو 15 عامًا أو أكثر ، بالإضافة إلى أن هناك 37 % منهم يعملون في وظائف ثابتة
وشركات مستقرة ، علما بأن الواقع يؤكد أن عدد اللآجئين فى مصر يفوق الـ 18 مليون !!
هذه أوضاع مقلوبة ، نعم فطنت الدولة مؤخرا إلى أن هؤلاء يشكلون عبء عليها وبدأت تطالب الإتحاد الأوربى والدول
المانحة بتحمل جزء من هذا الميراث الثقيل الواقع عليها ، وبتقنين أوضاع إقامتهم ، بعد أن زاحموا الناس فى اقواتها
ورزقها فى ظل ظروف إقتصادية صعبة ،
فضلا عن خطورة البعض منهم على الأمن القومى وعلى أمن البلد وإستقراره ، بخلاف التأثير فى التركيبة السكانية
والعادات والتقاليد لان كل وافد له ثقافته .
ولك أن تتخيل أن هناك أحياء كاملة فى القاهرة قد تحولت بقدرة قادر إلى عواصم عربية ، فى الوقت التى تجد فيه
دولا مثل ” السعودية أو الكويت أو الإمارت ” دخلها اليومى من النفط يتعدى المليارت ورغم ذلك تفرض رسوما على
إقامة الوافدين إليها حتى على الذين قدموا للعمل ، أليست هذه أوضاعا مقلوبة ؟
والسؤال الذى يراودنى إذا كانت الحكومة الموقرة قد فشلت فى وضع حلول خارج الصندوق لمشاكل الناس .. ليه
الإصرار على بقائها فى منصبها ؟
الناس تعبت والدخل ثابت والأعباء بتزيد وفوق كل هذا شايلين على كتافهم 18 مليون بنى آدم آكلين ، شاربين ،
نايمين .. غلوا على الناس كل حاجه فى الدنيا من مواصلات لـ ـ إيجار سكن ـ سلع ومواد تموينيه وإن شئت قل !!
دعيت لمناسبة إحتماعية فى قلعة صلاح الدين الأيوبى بالقاهرة بعد التطورات والتجديدات التى حدثت فى أسوارها
الخارجية والمنطقة المحيطة بها ، وما أن قصدت باب القلعة وجدت متاريس وتقدم إلى شاب لطيف طلب منى مبلغ
150 جنية رسم إنتظار ،
الدهشة عقدت لسانى ، وقد إعتدت دفع خمسة أو عشرة أو عشرين جنيها على أقصى تقدير فى مثل هذه الأمور ،
لكن الشاب اللطيف فطن لدهشتى وهمس لى بأن شركة خاصة هى التى تدير” البارك” حاليا ، قلت والنعمة عفارم
على صاحب النصيب !!
طبعا الدولة مؤخرا فطنت لتأجير بعض الأماكن للقطاع الخاص والمستثمرين لتعظيم مواردها ، لكن يبدو أن الدولة
لاتعلم أن المواطن الغلبان هو فى النهاية الذى يتحمل عبء الإيجار المبالغ فيه والعمولة والرشاوى وتكاليف التشغيل
.. إلخ .
أطلت ولكنى أردت أن أشير إلى أن حمو بيكا وشاكوش وكسبره وبتنجانه ومن على شاكلتهم كانوا قد تصدروا ”
التريند ” لأيام متباهين بساراتهم الفارهة وأرقام لوحات سيارتهم المميزة ، حتى وإن كانت ورقية كما أشيع.. إلخ .
وهذا وضع آخر مقلوب ، أن تصرف دم قلبك وقلب إللى خلفوك على إبنك أو بنتك على تعليمه فى إحدى جامعات الـ 3
حروف لتفاجأ فى النهاية أن الغلبة للهشك بشك والفن الهابط ،
لكن العيب ليس على هؤلاء العيب على تدنى الذوق العام فى المجتمع ، العيب على تسطيح كل شىء ، وعلى
غياب الفن والذوق الرفيع والثقافة وعدم وجود القدوة فى زمن المسخ .. حفظ الله مصر