الكاتب والشاعر أحمد نصر يكتب : المتسلفون
الحمد لله لقد نشأت نشأة أزهرية، وأكرمني الله بتعلم قواعد الدين والعقيدة والتفسير والفقه والحديث في هذا الصرح الشامخ في مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، ناهيك عن مرحلة الكتاب وحفظ القرآن، ثم بعد ذلك انتقلت إلى صرح آخر من صروح الأدب واللغة والشريعة والتاريخ والحضارة عندما التحقت بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، وخلال هذه الرحلة قابلت توجهات مختلفة من الفكر، ولا أستطيع أن أسميها مذاهب لأنها لا ترتقي إلى هذا المسمى، وكان لكل توجه من هؤلاء قيادات ليست على قدر كبير من العلم بحيث تصلح لإصدار الفتاوى وتوجيه أتباعها توجيها صحيحا، فللأسف الشديد صار كل من يقرأ كتابا أو كتابين ويحفظ بعض أجزاء القرآن الكريم أو حتى القرآن كله دون وعي بأحكامه وتشريعاته، ويحفظ بعض الأحاديث أو حتى كل الأحاديث ولا أظنه كذلك، فتجده بعد ذلك يجلس عل هيئة العلماء، ويغرق الدنيا فتاوى وأحكاما وكأنه عالم زمانه، وهو لم يعرف من الفقه ما يؤهله لهذا المقام.
يدعون السلفية
ولقد لاحظت هذه الجرأة فيمن يدعون السلفية، وقد تأخذهم العزة بالإثم إذا أنبتهم ضمائرهم على هذه الجرأة فلا يستطيعون الرجوع عما مضوا فيه خشية أن يسقطوا من أعين أتباعهم من المغرر بهم والمندفعين لتأييدهم بلا هوادة،
وكل دارس لعلوم الشرع من منابعها الأصلية والشرعية يعلم تمام العلم أن العلماء المجتهدين الذين يوكل لهم أمر الفتوى لا بد أن تتوفر فيهم شروط كثيرة لا يلم بها إلا القليل، وهؤلاء المتسلفون لا تتوفر فيهم هذه الشروط ومع ذلك هم ماضون بلا توقف فيما بدأوه، وحين يعجزون عن مواجهة العلم والحجة يلتفون حول موضوعات أخرى تحت مسمى العقيدة ليزيحوا من طريقهم من أرادوا ممن لا يرغبون في وجوده بحجة أن عقيدته غير صحيحة أو أنه أشعري أو صوفي وهما ليستا سبة أو عارا،
مدخل من مداخل الشيطان
كما أنهم يتصيدون الهنات لكل من خالفهم أو لم يسر في ركابهم، ويتحالفون مع أي من كان إذا أفسح لهم الطريق ومد لهم يد العون ولو كان على غير الملة، ويطلقون الأحكام وكأنهم ملكوا علم الأولين والآخرين ولا ينتمي إلى العقيدة الصحيحة سواهم، وهذا إفك ومدخل من مداخل الشيطان ليوقع الفرقة والبغضاء بين أبناء هذا الدين.
الخلاصة يا إخواني وأحبائي الأعزاء، هذا الدين العظيم أوسع من أن تضيقه جماعة أو فصيل، والله أرحم من هؤلاء المتشنجين الذين ساهموا بقدر كبير في تنفير بعض المسلمين ناهيك عن غير المسلمين من أحكام هذا الدين، فلا تغتروا بالمظاهر الخداعة فرب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، وابحثوا عن العلماء الربانيبن المخلصين، لا المتحذلقين مدعين العلم.