المقاربة بين جماعة الإخوان وفرقة الحشاشين بدت أمرا جليا حتى للعامة ولم يعد الأمر قاصرا على النخب من دارسى التاريخ والمتخصصين فى فكر الجماعات المتطرفة ، والحكاية بدأت منذ عرض الحلقات الأولى لـ ” مسلسل الحشاشين ” الذى يعرض على قناة dmc وهو من إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلاميةUnited Media Services ، ويقوم ببطولته الفنان كريم عبدالعزيز ومن إخراج بيتر ميميى .
فى الحقيقة لم يصادفنى عمل درامى يقابل بهذا الكم من النقد والشرح والتحليل والجدل على مواقع التواصل الإجتماعى وغيرها مثل مسلسل الحشاشين ، لدرجة أن الأمر لم يعد قاصرا على اللجان الألكترونية وأذرع جماعة الإخوان الإرهابية ، بل وإمتد الأمر لقطاعات لاعلاقة لها أصلا لا بالدراما أو الفن . سواء فى مايتعلق بالأخطاء التاريخية أو الإستعانة باللهجة المصرية فى الحوار ، وهذا الأمر مردود عليه ، وأنا لست بصدد الدفاع عن مؤلف العمل عبدالرحيم كمال ، أو إلتماس العذر لما وقع فيه من أخطاء تاريخية ، فقط أشير إلى أنه سبق أن وجهت لكثير من أعمال سابقة ، خاصه منها مايتعلق بظاهرة ” الفكر الأصولى” أو الصراع على السلطة القائم مع القوى المنتمية لتيار الإسلام السياسى .
إذن وللوهلة الأولى يتضح أن سهام النقد التى وجهت للعمل ماهى إلا عملية إستقطاب سياسى مقصودة لا لشى إلا لتشويه عمل فنى يفضح مرجعية أو أيدلوجية هذا الفكر المتطرف لجماعة الإخوان ، خاصة وأن العمل الفنى غير مطالب أن يكون مرجعية أو توثيق للتاريخ ، وهناك أعمال لاحصر لها تقاطع فيها التاريخ مع خيال المؤلف ، أما مسألة الإستعانة ” باللهجة المصرية ” فى العمل فهى ليست عيبا يقلل من قيمة العمل الفنية .
ففى عام 2016 عرض ” مسلسل سمرقند ” وهو إنتاج سورى مأخوذ عن رواية سمرقند لـ “أمين معلوف ” وتدور أحداثه في بلاد فارس وآسيا الوسطى في القرن الـ 11 عن حياة الشاعر والفيلسوف عمر الخيام صاحب الرباعيات الشهيرة التى تغنت بها أم كلثوم ، ووقعت أحداث المسلسل فى حقبة الدولة السلجوقية ، ودارت حول علاقة الخيام بالوزير نظام الملك وحسن الصباح زعيم طائفة الحشاشين ، وأيضا علاقة الحب التى ربطت الخيام مع شاعرة من بلاط سمرقند .. إلخ ،
ورغم كون هذا العمل الفنى باللغة العربية الفصحى إلا أنه لم يحظ بالزخم الذى حظى به مسلسل الحشاشين الذى يعرض حاليا على قنوات الشركة المتحدة !!
أما عن الأسباب الحقيقية وراء الهجوم على المسلسل فهو نابع من عبقرية حوار المؤلف عبدالرحيم كمال ، وهذا الخيال الخصب ، وفى الطريقة التى يتعامل بها ” حسن الصباح ” مؤسس فرقة الحشاشين وصاحب مفتاح الجنة مع أتباع فرقتة القائمة على( الولاء والطاعة ) وهنا مربط الفرس !!
جماعة الإخوان تنتهج نفس الفكر فهى تقوم أيضا على السمع والطاعة العمياء لـ ” مرشد الإخوان ” الذى يقوم مقام
حسن الصباح ، أضف إلى ذلك أن فرقة الحشاشين الدموية إرتكيت أفظع الجرائم وخاصة الإغتيالات فى القرن الـ 11 ،
وكان أتباعها يدينوا بالولاء والطاعة لحسن الصباح ، ويكفى أن روح التابع منهم كانت فداءا لصاحب مفتاح الجنة ، إذن
هى ” البيعة ” أو الطاعة العمياء التى أكد عليها العمل الدرامى ، والتى سببت ” الحرقان ” للجماعة وأتباعها كونها “
المعين ” الذى تنهل منه الجماعة وكل التنظيمات الجهادية ، وكل تيارات الإسلام السياسى ، السمع الطاعة
للمرشد ” حسن البنا ” مؤسس الجماعة الإرهابية فى كل شىء وبذل الجهد والدم والمال من أجل الجماعة . البيعة
بالسمع والطاعة لأمير المسلمين ” أبوبكر البغدادى ” أمير تنظيم داعش على السمع والطاعه فى العسر واليسر ،
السمع والطاعه لـ ” أسامة بن لادن ” قائد تنظيم داعش .. إلخ
إذن ” حسن البنا ” الذى أسس جماعة الإخوان فى النصف الأول من القرن العشرين وتحديدا مارس 1928 فى
الإسماعيلية بعد أربعة أعوام من سقوط الخلافة العثمانية , هو نسخة مكررة من ” حسن الصباح ” مؤسس فرقة
الحشاشين فى القرن الـ 11 .
أما فكرة الصراع من أجل السلطة تحت شعار الدين ، والتى إنطلقت من مصطلح عرف لاحقا بإسم ” الدين أفيون
الشعوب ” للفيلسوف والاقتصادي الألماني كارل ماركس ، فهى فكرة قديمة ترجع إلى أخطر فرقة إرهابية تظهر فى
تاريخ العالم الإسلامى بل وعلى مستوى العالم أجمع فى وقتها ، وهى ” فرقة الحشاشين ” التى تسببت فى
إغتيالات وحشية فى القرن الـ 11 ، حيث الصراع الدموى بين ” المستعلى بالله ــ ونزار ” أبناء قائد الدولة الفاطمية “
المستنصر بالله ” وإنقسام الدولة الفاطمية إلى جماعتين متحاربتين ” نزارية ” و ” مستعليه ” حول الخلاف على
الحكم والتوريث ، وإنتقال الخلافة الناتج عن ضعف ووهن الدولة الفاطمية وقتها .
ومن هنا دخلت فرقة الحشاشين فى الصراع الطائفى الدموى بين المستعلى بالله وأخيه نزار ، وفى ظل تنامى
الصراع الطائفى بين السنة من العباسيين والشيعة من الفاطميين فى مطلع القرن الحادى عشر . صعدت جماعة
الحشاشين وإتخذ مؤسسها من قلعة ( ألموت ) فى إيران مقرا له ، وكانت الملاذ الآمن لهم ونقطة إنطلاقهم فى
نشر الدعوة النزارية الإسماعيلية وتنفيذ الهجمات والإغتيالات ضد العباسيين ،
وقد إنتهجت جماعة الحشاشين طريقة المباغتة فى عملية الإغتيال من أجل بث الخوف والرعب ، وطالت عملياتهم
رموز الدولة العباسية مثل الوزير نظام الملك فى دولة السلاجفة الأتراك ، والخليفه المسترشد .. وغيرهم ، وكأن
التاريخ يعيد نفسه ، وعلى خطى فرقة الحشاشين سارت جماعة الإخوان ، وإرتكبت أفظع ما إرتكبه الحشاشين من
جرائم إغتيال بنفس الطريقة المباغته ، وإرتبط تاريخ الجماعة بالإغتيالات سواء التى طالت من شخص رئيس الحكومة
المصرية محمود فهمى النقراشى أو المستشار الخازندار .. وغيرهم ،
مما يؤكد على أن الجماعة كانت تسير على نفس المسار أو الطريق الذى إختاره الحشاشون !!
وفى النهاية مسلسل الحشاشين من الناحية التقنية هو عمل درامى متميز للغايه يجب أن ترفع القبعة لكل
القائمين عليه نصا وأداء وإخراجا وتفردا وإبهارا فى كل مفردات العمل ” إضاءة ـ ديكور ـ حركه كاميرا ـ كادرات ـ مونتاج ـ
حروب ـ تحريك مجاميع ” والحقيقة أن هذا العمل على غير أعمال كثيرة قدمتها الشركة المتحدة فى رمضان لا فائدة
منها سوى إنفاق المال ببذخ ، ولاتتناسب مع روحانيات الشهر الفضيل !!
غير أن مسلسل الحشاشين تحديدا يحسب لها ، وهو عمل فيه إبهار يثير الدهشه فى كل شىء بالقدر الذى
يخرجه من نطاق الأعمال المحلية إلى مصاف الأعمال العالمية ،
بقى أن أشير إلى أن جماعة الإخوان هى نموذج مصغر لجماعة الحشاشين فى توحشها وهو النموذج أو النسخة
التى أعيد طباعتها فى توظيف الدين فى السياسة من أجل الوصول إلى السلطة والحكم ..
وهو بالفعل مافعلته جماعة الإخوان من أجل الوصول لسدة الحكم .. حفظ الله مصر ، دمتم سالمين .