الكاتب الصحفي يسري السيد يكتب : عقبات البهجة…!!
هنا لكل شيء مذاق ومعنى ولون…لشهر رمضان والأعياد والمناسبات الدينية أو الشعبية مذاق مختلف في مصر عن باقي البلاد للدرجة التي أقولها بدون تحيز: من لم يحضر شهر رمضان أو عيدا الفطر والأضحى أو الأعياد الشعبية مثل شم في مصر وحاراتها فقد خسر الكثير ولا أبالغ إذا قلت لن يشعر بهم في أي مكان
ولشهر رمضان مكانة بارزة في عادات وتقاليد المصريين وان خفتت الآن في التجمعات الجديدة، لكن على مر العصور، الصبغة المصرية والمظاهر والمعان المتعددة جعلته مختلفا عن سائر بلدان الشرق،
هنا كل شيء موجود .. الليالي الاحتفالية العامرة بشتى صنوف اللهو والبذخ حتى مع الأزمات والضوائق على مر العصور ، من استقدام مقرئ للقرآن أو منشد ديني في دوار العمدة أو الأثرياء في الماضي إلى السرادقات ومسلسلات رمضان الآن
و من العزمومات التي يتجمع فيها الأهل والأصدقاء إلى موائد الرحمن للغرباء والفقراء..الى امتلاء المساجد بالمتقربين إلى الله فى صلاة التراويح والفجر ودروس الفقه والعبادات.. وحين دخل الراديو والتليفزيون كانت احاديث الشيخ متولى الشعرواى وتواشيح الشيخ طوبار والنقشبندى و الفوازير والمسلسلات والف ليلة وليلة فى شهر رمضان صاحب ال 30 ليلة
واعتقد ان السبب لا يرجع الى الدين او المناسبات فى حد ذاتها والتى يخلقون بعضها او يصبوغنها بلونهم لكن الى طبيعة المصريين انفسهم وشخصيتهم النابعه من تراث حضارى لاينضب اثره مهما مرت السنين
انا شخصيا حضرت بعض ايام من شهر رمضان وعيد الاضحى فى بلاد اسلاميه ولم أشعر باى بهجه او سعاده ولم اشاهد اى مظاهر للبهجة مثل التى اراها هنا
يعنى رمضان هو مصر التى تستقبله بحب وتودعه بحزن .. والعيد يعنى مصر والنكتة هى مصر ودفء اللمه فى مصر… باختصار مصر كل شيء حتى وإن تعثرت
وهذه البهجة رصدها منذ زمن طويل رحاله عرب ومسلمون ومستشرقون أجانب.. رصدوا بعض مظاهر هذه البهجة من الاحتفال بليله رؤية الهلال ومواكبها التي تكاد أن تندثر أو تطورت إلى أشكال أخرى ومرورا بفوانيس رمضان والمسحراتي ومدفع الإفطار والكنافة والقطايف وصناعة الكعك والبسكويت وصلاة التراويح وصلاة العيد والبمب والصواريخ فى يد الاطفال والفسيخ والبيض الملون في شم النسيم…
وللمصريين قدرة غريبة في التغلب على أحزانهم أو أزماتهم أو الاحتفال بمناسباتهم بالضحكه والنكتة والأكل وابتكار أي مظهر من مظاهر البهجة المخلوقة محليا وللدرجة التي جعلت الكثير من البلاد تسير على بعض الدرب أو تقلد بعضه أو تحوله إلى منتج حتى ولو بغرض اقتصادي مثل صناعة الفوانيس الصينية التي غزت الأسواق وان ظل الفانوس المصري الصفيح والزجاج الملون أبو شمعة أو حتى بلمبة كهرباء هو مصدر “البهجة”
نعم في كل زمن مر به المصريون كانت هناك عقبات للبهجة ولكن استطاعوا أن يتغلبوا عليها أما بالنكتة أو القفشة أو المثل الشعبي أو باختراع البدائل.. مثلا صنعوا الفوانيس مؤخرا من القماش الملون حين ارتفع سعر الصفيح وتم منع الاستيراد ، وتحول المسحراتي الفرد من ايقاظ الحارة إلى المسحراتي الفنان فى الاذاعه والتليفزيون الذي يوقظ الوطن
من عقبات البهجة أيضا موائد الرحمن بسبب الأزمات الاقتصادية وتغلب عليها البعض بالوجبات الجاهزة أو حتى ببضع بلحات أو تشويه عصير يتم توزيعها على المارين في الشارع وقت الإفطار.. وإذا ضاقت الظروف قالوا” بصلة الحب خروف” ، ومش عارف بعد ارتفاع أسعار البصل ح يغيروا المثل ولا ايه !!
واسترجاع عادات المصريين في شهر رمضان بعيون الرحالة الأجانب قد يكون لذيذا في ظل الحاضر الذي تحوله أحداثا غزه وشلالات الدم الفلسطيني إلى أكبر عقبات البهجة وتحرم اللقمة علينا جميعا
رمضان بعيون الأجانب
من أقدم الرحالة الذين زاروا مصر ورصدوا مظاهر شهر رمضان فيها الأب فليكس فابري الذي قدم إلى مصر في ة عام 1483 ورصد بعينه وقلمه شوارع وحارات مصر التي تحمل في جنباتها الفوانيس بمختلف أشكالها وألوانها، ويحملها الكبار والصغار “،
ويصف المسحراتي قائلا:” يمر ليلا في الشوارع ثلاث مرات يدق على طبلة وينادي على الناس كل واحد باسمه “.
رؤية الهلال
أما المستشرق الإنجليزي إدوارد وليام لين، الذي زار مصر 1833، يصف استطلاع هلال شهر رمضان بقوله:” بعد أن يصل الخبر اليقين لرؤية القمر (الهلال) إلى محكمة القاضي، ينقسم الجنود والمحتشدون فرقا عديدة، ويعود فريق منهم إلى القلعة بينما تطوف الفرق الأخرى في أحياء مختلفة في المدينة ويهتفون (يا أتباع أفضل خلق الله صوموا، صوموا) “.
ويضيف:” إذا لم يروا القمر في تلك الليلة، يصيح المنادي (غدا شعبان، لا صيام، لا صيام)، ويمضي المصريون وقتا كبيرا في تلك الليلة يأكلون ويشربون ويدخنون، وترتسم البهجة على وجوههم كما لو كانوا تحرروا من شقاء يوم صيام، وتتلألأ الجوامع بالأنوار، كما في الليالي المتعاقبة، وتعلق المصابيح عند مداخل المآذن وأعلاها “.
وكان علماء الحملة الفرنسية في مصر (1798-1801) قد سبقوا وليام لين في تقديم صورة حية لحياة المصريين، من بينهم العالم آدم- فرانسوا جومار بقوله:” يبدأ شهر رمضان مع ميلاد هلال هذا الشهر، ويعلن عن ذلك موكب احتفالي يسبق بداية الشهر بيومين، ويتكون هذا الموكب من حشد من الرجال يحمل بعضهم مشاعل، وبعضهم يحمل عصيا، ويقومون بأداء حركات مختلفة بها. ويفتتح سير الموكب عازفين يمتطون ظهور الجمال ويضربون على طبل معدنية، بينما يمتطي عازفون آخرون ظهور الحمير ويضربون كذلك على طبل أو يعزفون على بعض آلات النفخ الأكثر صخبا “.
” مدفع الإفطار “
ارتبط المصريون بفكرة” مدفع الإفطار “وترسخت في عاداتهم وحافظوا عليها لفترة طويلة وأصبح دوي هذا المدفع مع
غروب الشمس” الإشارة “التي يجتمع عليها الجميع إيذانا لبدء الإفطار بعد صيام يوم طويل، كما أصبح من السمات
المميزة للمظاهر الاحتفالية في مصر طوال شهر رمضان وحده.
وتضاربت الآراء التاريخية من حيث نشأة تلك العادة وأجمعت الروايات، رغم اختلافها، على كونها وليدة الصدفة، وسواء
كانت ترجع إلى” خوش قدم “المملوكي 1465 ميلاديا أو محمد علي باشا أو الخديو إسماعيل أو عباس باشا الأول
فإن مدفع الإفطار عاده مصرية تجلب السعادة لينطلق بعده ويجلجل المؤذن بأذانه الجميل داعيا الناس للصلاة
” زينة موائد الملوك
والكنافة المرتبطة بشهر رمضان، كان يطلق عليها اسم” زينة موائد الملوك “، واختلفت الروايات التاريخية بشأن
ارتباطها بهذا الشهر تحديدا، أشهر تلك الروايات ما ينسب إلى” معاوية بن أبي سفيان “(608-680 ميلاديا) أنه أول
من قدمت له الكنافة من العرب كطعام للسحور، أثناء ولايته على الشام،.
كما أشارت روايات إلى أن المصريين صنعوها لاستقبال المعز لدين الله الفاطمي كنوع من مظاهر الاحتفال به، صادف
بعد الإفطار في شهر رمضان، فأصبحت عادة منذ ذلك الوقت، وثمة رواية أخرى تقول إن أسماء بنت خمارويه بن أحمد
بن طولون، المعروفة بلقب” قطر الندى “، أول من أدخلها إلى مصر من بلاد الشام من خلال رحلاتها العديدة.
موائد الرحمن
ويرصد الفرنسي دي فيلامون مصر عام 1589″ موائد الرحمن “الخيرية التي عرفتها مصر على مدار عصورها الإسلامية
حتى الآن.
يقول دي فيلامون:” يجلس المصريون على الأرض يتناولون الطعام في الفناء المكشوف أو أمام منازلهم، ولديهم عادة
دعوة عابري السبيل إلى مشاركتهم الطعام بصدق وحفاوه