عبد الناصر البنا يكتب : إرث المحبة .. فى رمضان ( 1 : 2 )

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية

كل عام وأنتم بخير ، وقد أهل علينا شهر رمضان ، شهر الخير والقرآن ، ولسنوات طوال إرتبط شهر رمضان بأعمال الخير . والحقيقة أن الخير فى رمضان مثل عاداته وتقاليده التى توارثت منذ أيام الدولة الفاطمية سواء كانت موائد رحمن أو زينة وفوانيس وأنوار واسراف فى العطف على الفقراء والمساكين .. إلخ

وهى من الأشياء التى جعلت لشهر رمضان من خصوصية فى مصر ، لكن الطريف فى الأمر أن كل هذه الأعمال لم تعد قاصرة على المسلمين وحدهم ، بل يمارسها الشعب المصرى ” مسلميه ومسيحيه ”

وأعتقد أن أغلب مسيحى مصر يحرصون على إقتناء فانوس رمضان ، وزينة رمضان فى بيوتهم ، بل وصل الأمر إلى أن منهم من يصوم رمضان ، ولذلك لاعجب أن تتناقل وسائل التواصل الإجتماعى والـ Social Mwdia مقاطع فيديو لأحد القساوسة وهو يوزع فوانيس رمضان على المارة فى شارع شبرا ، ومنهم من يعلق زينة رمضان !!

أو أن تجد زينة رمضان تعانق مسجدا وكنيسة فى نجع حمادى ، أو تجد جارك المسيحى أحرص بل وأول من يبادر

بالتهنئة لقدوم شهر رمضان ، أو أن تجد الكنيسة المصرية تحرص كل عام على إقامة حفل إفطار رسمى تدعو له

مختلف فئات الشعب المصرى ،

أو أن تَدعى إلى دعوة إفطار من جمعية خيرية مسيحية ، أو من جار أو صديق مسيحى ، ووصل الأمر إلى إقامة

المسيحيين لموائد رحمن فى رمضان كما سيأتى لاحقا .

والطريف أنى قرأت مؤخرا عن الأخت ” كاتى ظريف ” كأول سيدة مسيحية ” مسحراتى ” فى مدينه دهب ؛ وتقول ”

أصوم وأفطر مع زملائى المسلمين ” ، إنها مصر .. وستبقى !!

ومن خفة دم المصريين رسالة واتس اب تقول : نزلت جبت فانوس ليا إنهارده ؛ وجبتلك معايا عباية واسدال عشان ننزل نصلى تراويح سوا .. يابنتى انت مش مقتنعه أنى مسيحية ليه ؟ وترد عليها : وهو دا مبرر يعنى

طيب تعالوا نحسبها بالعقل فالموضوع ليس من قبيل المصادفة والله تعالى يقول فى محكم التنزيل بسم الله الرحمن

الرحيم ﴿ .. وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِينَ قَالُوٓا۟ إِنَّا نَصَٰرَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا

يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ صدق الله العظيم .

هذه ليست المرة الأولى التى أكتب فيها عن ” أقباط مصر ” وبالتأكيد لن تكون الأخيرة .

ولعلنا نتذكر وصية رسول الله ﷺ عن أهل مصر عندما قال ( إِذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرًا فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا ، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا … والأحادديث المروية فى هذا الشأن كثيرة ومنها قوله ﷺ ” الله الله في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ، ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله ” ، وقوله ﷺ “…فاستوصوا بهم خيرًا ، فإنهم قوة لكم ، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله ” .

ولعل الواقع يذكرنا بأن الأقباط رحبوا بالمسلمين الفاتحين ، وفتحوا لهم صدورهم ، ومنهم من دخل في دين الله طوعا

، وأن عمرو بن العاص عندما فتح مصر ، أعطى أهل مصر من الأمان على ” أنفسهم وملَّتهم وأموالهم وكنائسهم

وصُلبهم وبرِّهم وبحرهم ، لا يزيد شيء في ذلك ولا ينقص ولا يُساكنهم النُّوب .، إلخ

ونحن نردد دوما قول : مصر أم الدنيا ، نعم هى كذلك لأن السيدة ” هاجر” أم إسماعيل أبي العرب المستعربة كانت

من أهل مصر ، وأن ” مارية ” التي أنجب منها الرسول ﷺ ابنه إبراهيم كانت قبطية .

بقى أن أشير إلى أن كلمة “قبطي” تصف مسيحيو مصر ، كما تصف الفن المُمَيَّز والعمارة التى نبعت من الدين ، وأن

” القبط ” هو نوع من القماش تميزت به مصر القبطية ،

وأن أقباط مصر يشكلوا أكبر تجمّع مسيحي داخل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، ويمثلون مايزيد عن 15% من

سكان مصر ، فضلا من كونهم كيانا دينيا قويا له شخصيته الواضحة فى العالم ، وأن اللغة القبطية ، وهي أقدم لغات

إفريقيا .

أما الكنيسة القبطية – وهي عمرها الآن أكثر من تسعة عشر قرنًا من الزمان – فهى تعتبر نفسها مُدافِعًا قويًا للإيمان

المسيحي ، ولعل المتأمل لتاريخ مصر يجد أنها إستعصت على التقسيم على الرغم من المحاولات المستميتة لـ

تأليب المسلمين على المسيحيين ،

والحمد لله أن المحاولات كلها باءت بالفشل لأن (لُحمة) النسيج المصرى وإندماج المسيحيين فى النسيج المصرى

بالقدر الذى يجعلك من الصعب أن تفرق بين المسلم والمسيحى ،

لسنوات طويلة كانت هناك مطالب ” مشروعة ” للمسيحيين كان يتم تجاهلها ، وأعتقد أن الكثير منها تحقق اليوم

خاصة فيما يتعلق بحرية العبادة ومسألة التضييق على ترميم وبناء الكنائس

وهذه الأشياء تحققت ولايخفى على أحد ذلك ، حتى أن اقباط المهجر ممن صدعونا بحقوق الـ إنسان ، وعقدة

الإضطهاد .. إلخ لموا أنفسهم ولم يعد لهم صوت يسمع .

من أجل ذلك .. ليس غريبا أن تقرأ فى سفر إشعياء ” مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ ” أو تقرأ القول المأثور لـ قداسة البابا شنوده

بعد أن أمضى أكثر من 40 عاماً على رأس أقدم الكنائس المسيحية : مصر ليست وطنا نعيش فيه .. بل هي وطن

يعيش فينا ” ،

وكذلك قال البابا تواضروس الثاني ، عبارته الشهيرة ” وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن”، التي أطلقها بعد

حرق الإخوان لقرابة 70 كنيسة في عام 2013 ، إبان فض اعتصام رابعة .

أعتقد انه بعد هذه المقدمة الطويلة أصبح لدينا قناعة ثابتة أننا نسيج واحد من الصعب تفكيكه لـ إحكام عَقدة ؛ وبقى

أن أقول لكم على سر تسمية ” إرث المحبة ” ولكن للحديث بقية .. دمتم فى أمان الله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.