حين تتعاظم الأحداث ، تتضائل الكلمات ، وتسقط العبارات فى مستنقع الزيف والكذب
منذ بدء العدوان الصهيونى الغاشم على غزة ، وأنا أُمَنْىّ نفسى كل ليلة بأن هذه المذبحة ستنتهى ، وفى كل صباح تصدمنى صور الشهداء من الأطفال والنساء والعجائز ، كجرح منفتح أتحسسه كل لحظة ، رغم محاولات الهروب المستميتة للنسيان ، لكن أتساع الجرح بين شقيه يبتلع كل ما أملك من إرادة لمحاولة التجاهل ،
الحدث الجلل يفرض نفسه ، يقيد روحى بأغلال من الألم تفوق قدرتى على أن أتعايش مع يومى بطريقة عادية ، كلما جلست إلى طعامى أبصر الشهداء فى أطباقى ، يدور حولى كدائرة حصار أطياف من أرواح أطفال ونساء غزة ،
لم أعد أشعر بأننى أمشى بحرية يقيدنى دائماً حس اللاجدوى ، كيف أمشى وأتنفس وأتناول الطعام ، وأضحك وأغنى وأفكر وأتمنى وأقابل الأصدقاء وأنفعل
وأكتب وأنا فى وسط هذه المشرحة ، سيف اللا جدوى يقطع كل الشرايين التى تربطنى بكل ما أحب ، قاسية الحياة
حين تفرض عَليّ أن أشاهد بعين رأسى هذه المجزرة الغير مسبوقة فى تاريخ الحضارة البشرية ، فقدت إيمانى
بتقدم الفكر الإنسانى ، وفقدت إنبهارى بما قدمته الحضارة الغربية للانسانية فى القرون الأخيرة ،
ما فائدة التقدم العلمى والرقى الفكرى والمعرفة الأنسانية التى شهدت تطوراً ضخماً فى العقود الأخيرة ، إن لم
يغلفها صون للأرواح الإنسانية والمساواة بين البشر جميعاً؟
كرهت الضعف فى عالم من الحيوانات البرية المتوحشة التى تأكل الأضعف ، كرهت الضعف لانه أسرع وسيلة للموت
، لولا تأخر الأمة العربية ، علمياً وفكرياً وسياسياً وأقتصادياً وحضارياً ، ما كانت فلسطين بهذا الوضع المأسوى ، أعظم
مانملك من أمنيات هى أدخال وجبة طعام لأسرى محكوم عليهم بالأعدام ، ياله من عار ، يميت الروح ويقتل ما تبقى
من شغف بالحياة ، أنظر فى الوجوه حولى ، أبحث عن أية إشارة فلا أجد الا عناوين الأخبار التى تنقل أنباء المذبحة ،
أصبحت لا أتمنى سوى وقف حرب غزة ، كل ما عدا ذلك باطل ولا جدوى منه ، الهروب من الكتابة أصبح هو الحل بعد
أن عجز القلم عن التفاعل مع الحياة وهو يرى كل يوم كل هذا الموت .