الدكتور علاء رزق يكتب : قادرون بالحكمة (٢)

الدكتور علاء رزق
تناولنا فى المقال السابق أن شعار من أجل الوطن والمواطن، وبناء جمهورية جديدة تتسع للجميع هو شعار المرحلة ، الذي يتواكب مع إفراز لتحديات إقليمية وعالمية.وعقد جلسات الحوار الإقتصادى المتخصصة كبداية لمرحلة جديدة شعارها مساحات مشتركة، من أجل الوصول إلى مخرجات جدية تخدم الوطن والمواطن،وذلك استجابة لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتعزيزا لمواجهة العوامل الجيوسياسية التى برزت بسرعة بإعتبارها مخاطر سوقية هيكلية، حيث أثار التشرذم الأعمق مخاوف بشأن الإنضباط المالي في جميع أنحاء العالم، وقد يؤدي تسارع الصراعات الإقليمية إلى زيادة مفاجئة في الإنفاق الدفاعي.
وعلى الجانب الآخر فإن الدين العام بشقيه المحلي والخارجي مازال فى الحدود الآمنة حيث تبلغ نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 37٪ ، ونحو 85٪ بالنسبة للدين الداخلى ،وهى نسب مازالت أقل من 150٪ كمتوسط متعارف عليه عالمياً.
فالمعضلة الحقيقية في أزمة الدين العام، هي أعباء خدمة الدين.حيث بلغ حجم المخصصات لبند الفوائد في موازنات العامة ما يعادل 37,4% من المصروفات العامة للسنة المالية الجديدة، وهو ما يعني أن الدين العام لن يتوقف عن النمو طالما كان هناك عجز في الموازنة، وحتى نستطيع وضع أفضل السبل لمواجهة إرتفاع الدين الخارجى فى مصر ،
فإنه يجب على المجموعة الاقتصادية المصرية التعرف وبعمق على أسباب هذا الارتفاع والتى قد تعود إلى :اتباع سياسات نقدية غير مشددة (منخفضة الفائدة) لفترات سابقة لرفع الفيدرالى الأمريكى، كما أن أسعار الفائدة متغيرة حسب النشاط لوجود أسعار فائدة مخصصة لأنشطة مثل التطوير العقاري أو القطاعات المستهدفة الأخرى.واعتماد الصادرات المصرية على الواردات بنسب تتراوح ما بين 40%إلى 70% فى المتوسط،
الأمر الذى جعل من إلغاء نظام الاعتمادات المستندية للحد من الواردات أحد الأعباء الرئيسية فى الضغوط السعرية على الصرف الأجنبي والاحتياطات الدولية لدى البنك المركزى.مع تراجع الدور فى صياغة سياسة تصنيع محلى تعمل على زيادة الإنتاج والقيمة المضافة من جهة وزيادة مساهمة القطاع الصناعى فى الناتج المحلى من جهة أخرى، ما دفع بمزيد من الاعتماد على الأسواق الدولية.
كذلك التوزيع غير المتوازن لآجال الدين العام الخارجى خلال فترة جائحة كورونا دفع بتقارب آجال الاستحقاق بالتزامن مع الأزمة الروسية الأوكرانية.ايضا لا يمكن أن نتجاهل وجود فجوة التنسيق التام بين كل من السلطات المالية خاصة فى آجال استحقاق الدين والسلطة النقدية فيما يتعلق بإجراءات الحد من الواردات والمستهدف للقطاعات الإنتاجية.
حيث تعد الأزمة الروسية الأوكرانية أحد أهم الأسباب الرئيسية جراء ارتفاع أسعار السلع العالمية أبرزها الطاقة
والغذاء واللوجيستيات وكذلك تراجع الإيرادات من السياحة. وهو ما ساهم فى ارتفاع أسعار الفائدة عالميا، وخروج ما
يزيد عن 23 مليار دولار فى أقل من ثلاثة شهور.
كذلك اضطراب سلاسل إمداد الطاقة ومستلزمات الإنتاج والغذاء مما دفع بزيادة أسعارها وهو ما ألقى بزيادة الضغوط
على الاحتياطات الدولية لتنخفض من 44 مليار دولار إلى أقل من 33 مليار دولار.
وبالتالي فإن انسب السبل للتعامل مع هذا الملف وهو الدين الخارجي، تكمن في نجاح السياسات المالية الحالية
تزامنا مع التغيرات التى طرأت على السياسة النقدية لجذب المزيد من التدفقات النقدية والرأسمالية من
الخارج،واستقطاب الفوائض المالية لدى الدول العربية بخاصة الخليجية الناتجة عن زيادة أسعار النفط خاصة مع
انخفاض العوائد الحقيقية من استثمارها فى الدول الغربية جراء موجة التضخم.
وهو ما نجحت فيه مصر عبر إبرام صفقة رأس الحكمة مع الجانب الاماراتى باستثمارات قدرها 35 مليار دولار لتنخفص
بعدها ديون مصر الخارجية بمقدار 11 مليار دولار وتصل إلى 153 مليار دولار ، ودخول إستثمارات عربية مباشرة قدرت
بنحو 7.3 مليار دولار من خلال عدد من الاتفاقيات متعددة الأطراف بين مصر والإمارات والأردن، ونحو 10مليار خلال
العام الجارى من حصيلة استقبال استثمارات عربية وأجنبية فى أصول وممتلكات تطرحها الحكومة من خلال برنامج
التخارج من بعض الأنشطة الاقتصادية، خاصة مع إعلان الدولة وثيقة ملكية الدولة. وزيادة مستوى الرهان على صعود
الصين وروسيا كأحد الفاعلين العالميين ،
مما يطرح احتمالية انخفاض التكلفة الحقيقية للدين العام الخارجى للعديد من الدول ومنها مصر، نظرا لتأثر الدولار
والذي يستحوذ على نسبة تزيد عن 65% من محفظة الدين الخارجية.
والمشهد الراهن يشير إلى أن الحالة المصرية فى إدارة ملف الدين العام خاصة الخارجى مستقرة تماماً، وذلك
لإعتماده بالأساس على رصانة مؤسسات الدولة والإلتزام الدائم بسداد الالتزامات والديون طوال
تاريخ معاملاتها الخارجية دون تعثر .كما أن الوضع الراهن للاقتصاد المصري يشير إلى إمكانية تخطى أزمة الالتزامات
قصيرة الأجل نظرا لتعافى مصادر العملة الصعبة خاصة الصادرات النفطية وتحويلات العاملين بالخارج. وفيما يتعلق
بالدين طويل الأجل الذى يشكل معظم هيكل الدين الخارجي، تتمكن الدولة من سداده على فترات قد تصل حتى 40
عاما فى ظل اتخاذ مزيد من الإجراءات التحفيزية التى من شأنها زيادة القيمة المضافة للناتج المحلي من جهة وزيادة
مساهمة القطاع الصناعي من جهة أخرى بما يضمن الخروج من وطأة الإعتماد على الخارج ، ويعزز من قدرات
الاقتصاد المصري .ويتطلب الأمر أيضاً بذل جهود أكبر للتأكد من أن الاقتراض السيادي يحقق الإستدامة المالية.حتى
يظل الدين العام على مسار يمكن الإستمرار في تحمله.مع النظر بدقة في العائدات التي يمكن أن تحققها
المشروعات ومدى قدرتها على السداد من خلال رفع الإيرادات الضريبية والتى للأسف تقل النصف عن المطلوب
عالمياً وهى 25% من الناتج المحلي الإجمالي.مع ضرورة السعي نحو مخاطبة دول العالم المتقدم من أجل وضع
إستراتيجية شاملة لتخفيف الأعباء المالية عن الدول الفقيرة على نطاق المبادرات التي صدرت أواخر التسعينيات
وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.والأهم من ذلك أن خفض أعباء الديون سيخلق حيزاً مالياً يسمح
بتنفيذ إستثمارات جديدة، والمساعدة على تحفيز النمو الاقتصادي في السنوات المقبلة.
كاتب المقال رئيس المنتدى
الإستراتيجى للتنمية والسلام
Alaarizk2024@hotmail.com
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.