محمد نبيل محمد يكتب : معرض الكتاب والامن القومى والامن الثقافى (٢)
تفسر ادبيات الاستراتيجية لدى العديد من روادها ان الامن القومى يعنى مدى تناغم التفاعل بين قوى الدولة سلما وحربا فى ممارسة سياسات من شأنها الحفاظ على هذه الدولة التى تعنى الارض والشعب ونظامه السياسي ، كما ان هذا الامن تتضافر فى سبيل نجاحه وتفوقه القوى العسكرية والاقتصادية والسياسية للدولة والتى تتخذ التدابير اللازمة لحماية عناصر الدولة وهى الارض والشعب ونظامها السياسي والاقتصادي وقوامها الاجتماعي، وقد تكون تلك التدابير داخل الحد الجغرافى السياسى للدولة او خارجه فى مواجهة التهديدات الطبيعية كالكوارس من زلازل وامراض وغيرهما او خارجية كتهديدات عسكرية من دول اخرى ، وتطور المفهوم بعد الحرب العالمية ليشمل تهديدات اقتصادية ايضا ، وبعد ظهور حروب الجيلين الرابع والخامس وانتهاء – تقريبا – معارك البارود واستبدالها بمعارك فى الواقع الافتراضى لم يقترب من تعريفاتها على الإطلاق عباقرة الفكر الإستراتيجى أمثال ليدل هارت وجون بوفر وكلاوتز فيتز الذين اصلوا للحروب الكلاسيكية حتى مشارف حروب الفضاء -الحقيقى- وحتى هؤلاء الذين كتبوا عن (فن الحرب) مثل ميكيافيلى وصون زى لم يقترب احدا منهم من تلك الحرب التى تهدد الامن القومي للدولة بمفهومها الشامل، وايضاً لا توجد ادبيات تعترف صراحة بإمكانية نشوب حروب تهدد الأمن الثقافي رغم تطور مفاهيم الامن الاستراتيجي من السياسة والعسكرية والاقتصادية إلى الامن الغذائي والبيئي والسيبرانى ، لكن احدا لم يقترب بجدية تجاه تلك المعارك التى تدور رحاها فى ميادين قتال ليست على جبهات الحدود او العمق على الارض بل تلك المعارك المستحدثة التى باتت تدق طبولها على تخوم الوجدان ربما الجمعى او النوعى كاستهداف فئة عمرية او ديموجرافية او عرقية او دينية او حتى فئة من المجتمع تنتسب إلى اصحاب الاحتياجات الخاصه او ربما فئات عمالية وغير ذلك عديد من التصنيفات النوعية غير الجماعيه وعمومها ، وتستهدف تلك المعارك تقليب وجدان ضحاياها من حالات مزاجية معتدلة مستقرة إلى مضطربة غاضبة وكارهة ومحتقنة ، وبهذا تكون اشبه بتطبيق نظريات (العربة المعصوبة) التى يسير أصحابها فى اتجاه الهاوية .
وميادين قتال ثانية فى عقول العموم او الفئات المستهدفة بعينها ، وأيضا تستهدف هذه المعارك بدءا من التكذيب والتخوين والتكفير مرورا بالاغتراب والاتكالية والانمالية وغيرها من القيم السلبية انتهاء إلى تشويه الهوية الوطنية وطمسها التى من شأنها هدم صف المجتمع.
وهنا يظهر دور الثقافة المعادية بأدواتها وآلياتها المتنوعة بدءا من الكلاسيكية الى الرقمية ، وتتعدد الاطر النظرية لتلك الهجمات الثقافية لدى الدول المتقدمة تكنولوجيا وعسكريا ، وتتهاوى سريعا الدول الناشئة حديثا او التى لم تنتبه لأهمية الامن الثقافى ، ولكنها وحدها الدول ذات الحضارات الحصينة هى التى تستطيع لم شملها سريعا فى مواجهة الحروب الثقافية وتستدرك سريعا طبيعة الهوية الثقافية الوطنية وقدراتها لمواجهة التحديات الوافدة التى من شأنها إضعاف قوى الدولة الشاملة كمرحلة تالية بعد الاختراق الثقافى ، لذا من الواجب ان نفند ممارسات الآخر – القريب والبعيد- فى زعزعة الاستقرار الاقتصادي وبالتالى الامن القومي للوطن من خلال آليات الأمن الثقافى وممارساته كتلك الآليات الحادثة فى معرض القاهرة الدولي للكتاب فى دورته الخامسة والخمسين حيث تحشد الثقافة قوى الدولة المعنية وتتعاون فى صياغة مؤتمرات ثقافية ذات أبعاد وطنية كتلك التى تعنون بالموروث الثقافي والحفاظ على الهوية الوطنية ، والأخرى التى تستهدف استنفار العقل الجمعى فى مواجهة التحديات المحدقة بالوطن تحت عنوان قضية فلسطين وعلاقاتها بالأمن القومي المصرى ، وثالثة ، ورابعة ، والكثير فى ذات المضمار من شأنه أن يحشد ويشحذ الفكر الجمعى الوطنى خلف قيادته السياسية ليكشف للعالم مدى إدراكنا لسوء مخططات الآخرين فى اجتزاء قطعة من ارضنا او الأصوب – لفظا- قطعة من كرامتنا الوطنية (!).
كذلك أفردت الثقافة يوما كاملا فى قاعات معرض الكتاب لتناول القضية الفلسطينية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا على كافة مجالاتها اعلانا من العقل والفكر المصرى ان لامن الثقافى يصطف من خلال أدواته وآلياته مع قوى الدولة الصلبة للحفاظ على الهوية الوطنية لعناصر الدولة من الارض (دون تفريط) إلى الشعب (دون تقصير) إيمانا بالأبعاد الثقافية التى تحدث عنها الخالد ميلاد حنا فى (الأعمدة السبعة) والتى تشكل الاتجاهات الاستراتيجية للثقافة المصرية.
وفى القادم ان شاء الله حديثا عن تحقيق الامن الثقافى لنجاحات اقتصادية .