جوزيف جوبلز ذاك المحارب الخفى الذى اعتمد أساليب جديدة تحت عنوان المعارك الخفية ونتيجة لنجاحات أساليبه المستحدثة خلال الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩ – ١٩٤٥) اعتقد هتلر الذى كان يخطط لاجتياح العالم على الجنس الارى (الامانى) الذى كان يراه جنسا ارقى من غيره فى القارة العجوز – أوروبا- عموما كان يعتقد بصورة جدية انه ليس بالبارود فقط يمكنه استعمار العالم
بل انه اتكىء ايضا على اساليب جوبلز الدعائية فى هزيمة العدو الانجليزى والفرنسى والروسي نفسيا اولا من خلال تشويه ثقافات الشعوب وبالتالى الجنود إذ يملؤن آذانهم بالادعاءات المحرضة على هدم الهوية الثقافية لتلك الشعوب ، وكما سرقت اسرار القتيلة النووية من ترسانة هتلر العسكرية ايضا تم سرقة أفكاره وأساليبه فى هزيمة العقول واحتلالها من ترسانته الدعائية (!)
وتم تطوير تلك الأفكار وأساليبها بهدف اعادة تحقيق اهداف هتلرية – أتذكر كتابى هربرت تشيلر الاول المتلاعبون
بالعقول والثانى الهيمنة الثقافية – لكن هذه المرة لم تكن منصات الهجوم على الهوية الثقافية للشعوب تحت العلم
النازى ، انما ظلت نازية الهوى والهدف وبأسماء اخرى اقليميا وعالميا، لذا كان مقتضى الحال يستوجب اعداد الأوطان
لكتائب تسير جنبا إلى جنب مع كتائب البارود ،
وهى كتائب فرسان الكلمة وحراسها وصناع المعرفة حفاظا على الهوية الثقافية الوطنية من الاختراق او التشويه او
الهدم أو الاحتلال (!) ، ومن هنا كان شعارا موفقا فى اختياره من جانب وزارة الثقافة المصرية ، جديا فى تنفذه فى
حيز الواقع الفعلى،
وكان شعار معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والخمسين ” نصنع المعرفة … نصون الكلمة” دليلا
على ان الإطار الفكرى لثقافة مصر اتجهت صوب التفعيل وتخطت منطقة التنظير ، فهنا فى معرض القاهرة الدولي
للكتاب دلالات غاية فى الأهمية أولها بعد اختيار الشعار هو اختيار رمزية المعرض من خلال تصميم خرطوش من العصر
القديم منحوت عليه شعر المعرض وبجواره آلهة الحكمة والكتابة عند المصريين القدماء (سيشات) ما يعنى اعادة
اخبار العالم ان المعرفة كنت مقدسة لدى المصريين الأقدمين والتاريخ يشهد بفضيلة المصريين فى اننا أول من قدم
العلوم الإنسانية والتطبيقية والفنون والآداب إلى الإنسانية ،
هذا جانب ، أما الثانى : فكان فى اختيار نموذجا صلبا فى تحدى ظروفه البسيطة ليكون عالما فى تخصص انتسب له
الندرة من المصريين والكثير من الغربيين والشرقيين ألا وهو علم المصريات فكانت غيرة هذا الشاب على هذا العلم
غيرة عملية فراح يدرس فى فرنسا والنمسا وغيرهما حتى عاد معلما فذا فى علم المصريات وهو الأثرى الأعظم
سليم حسن صاحب موسوعة مصر القديمة ،
وهنا تستهدف الثقافة تقديم النموذج لشبابنا الذى كان مستهدفا إبان العقد الفائت فى هدم مفهوم وصورة النموذج
فى عقله ووجدانه، وتلك معركة وعى ادارتها ثقافة مصر باقتدار، وثالث هذه المعارك الخفية فى حروب الامن الثقافى
كانت فى اختيار يعقوب الشاروني شخصية لمعرض كتاب الطفل وذاك من شأنه إعلاء مباشرا لقيمة الابداع لهذه
الفئة العمرية التى تعنى – مباشرة- مستقبل الوطن،
لذا كان من المحتم إظهار مدى اهمية تقديم إبداعات الثقافة بمجالاتها المتنوعة نظما شعريا وغنائيا ، وعزفا بالأوتار
لحنا، ورسما بالألوان زاهيا براقا، وحكيا سرديا عن حكايات النصر وسيناء تلك التى ستظل فى مركز الإدراك وفى عمق
الوجدان المصرى، لذا قامت الثقافة المصرية بأدوارها فى معارك الامن الثقافى داخل الحد السياسى للوطن، لكنها
وباقتدار استعادت مكانتها الرائدة فى الاقليم العربى والافريقى
حيث توالت حفلات التوقيع لكتب المؤلفين العرب والأفارقة من الكويت والسعودية وتونس واليمن والسودان والأردن
ولبنان وتشاد وغيرهم ليحصلوا على الرواج الذى ينشده اى كاتب وكان فى مصر وحدها ذاك الرواج وذيوع الصيت
واكتساب الشهرة من خلال قراءة الجمهور المصرى – الذى يتخطى الربع مليون زائر للمعرض يوميا- لمؤلفات العرب
والأفارقة
فضلا عن مناقشة أعمالهم الإبداعية والفكرية والعلمية هنا فى جنبات معرض القاهرة الدولي للكتاب بحضور المفكرين
والمبدعين والوزراء والسفراء واعضاء الأسر الحاكمة هنا فى البيت الثانى للجميع (مصر) ،
وبهذا تحقق انتصارا عربيا وأفريقيا فى مفهوم الامن الثقافى المصرى، كما اصبحت الثقافة المصرية عابرة للقارات
حتى وصلت طالت أطراف الارض هناك فى أقصى شمال المعمورة إلى مملكة النرويج حيث حلت ضيف شرف على
القوة الناعمة المصرية لا لناخذ عنها -كما كان معتادا آنفا- بل لنقيم حوارات جدية حول تبادلية مسارات الترجمات
الإبداعية والفكرية والعلمية عن مصر
وبالتالى عن عموم العرب الى النرويج والشعوب الإسكندنافية وبالبتالى إلى عموم لغات أوروبا وذاك هدف اضحى
استراتيجيا للقوى الناعمة المصرية انتصرت فيه ضمن معارك الامن الثقافى ،
وفى مؤتمراً من اجل تبادلية الترجمة من المصرية (العربية) إلى النرويجية والغربية والاسياوية واللاتينية حضر ممثلين
عن الثقافات الإسبانية واليابانية والصينية والألمانية وبالطبع من فرنسا وروسيا وإنجلترا وهذا يعنى تحولا هاما فى
ممارسا القوى الناعمة المصرية وتفهما لمتطلبات الانتصار فى معركة الامن الثقافى حماية للهوية الثقافية الوطنية
التى تحولت من موقع الدفاع امام الوافد من الثقافات المهاجمة إلى المصدر والمنتج الايجابى للثقافة المصرية لأطراف
الارض – قاطبة- بحق هى دورة فارقة فى تاريخ معرض القاهرة الدولي للكتاب كما خططت واستهدفت الثقافة