إنارة الحياة عكس الإضاءة الغازية التى تمثل وصف يستخدمه علماء النفس للإشارة إلى نوع من الإساءة النفسية الخطيرة، يقوم على التلاعب بالعقول، من خلال زعزعة ثقة شخص ما في نفسه، وإشعاره بالخوف والضعف، وإقناعه بأنه موهوم أوضعيف ،عبر التشكيك في علاقاته بالآخرين، بما في ذلك العلاقات الأسرية، والعمل، وأية تفاعلات إجتماعية أخرى.وهو ما يمثل أحد ركائز الفساد خاصة الإدارى منه،الذى يعد من أكبر التحديات التي تواجه المؤسسات الحكومية في العالم.
لما يمثله من سوء استخدام السلطة العامة أو الموارد العامة لتحقيق مكاسب شخصية،وبالتالى التأثير سلباً على تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، مع تهدد لإستقرار المؤسسات الحكومية وثقة المواطنين فيها.لذا تمثل مكافحة الفساد الإداري أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها المؤسسات الحكومية فى مصر .
ومن المهم تبني إجراءات وأدوات لمكافحة الفساد الإداري والحد من تأثيره على المؤسسات الحكومية،خاصة بعد تقرير مؤشر منظمة الشفافية الدولية،“مُدركات الفساد” لعام 2022 الذى صدر بداية عام 2023،
وفيه حلت مصر فى المرتبة 130 عالمياً. وهو ما يعكس أن هناك تداعيات سلبية على المستوى الإقتصادي والاجتماعي، منها تباطؤ الإقتصاد عبر تراجع النمو، وتدهور البيئة الإستثمارية، وانخفاض معدل الثقة بين المستثمرين وزيادة تكاليف الأعمال.مع تفاقم الفقر،حيث يمنع الفساد توزيع الثروة بشكل عادل ويتسبب في تجميع الثروة في يد القلة القليلة التى قد تعود لتمثل نسبة ال١٪ من المجتمع ،
لتتزامن مع تفشي الممارسات غير الأخلاقية، مما يضعف الأخلاقيات في المجتمع ويؤثر على القيم والسلوكيات الاجتماعية،لذا فإن الواجب يحتم علينا قبل وضع آليات المواجهة أن نستعرض تشخيص العوامل التى قد تؤدي إلى حدوث الفساد الإداري
ولعل من أبرزها،ضعف الرقابة والمراقبة،أيضاً الرشوة والإحتيال،والأهم سوء التدبير وقلة الكفاءة، عندما يكون هناك سوء تدبير في إدارة المؤسسات الحكومية وعدم وجود كفاءات ملائمة في الموظفين،
وهو ما يفتح الباب أمام الفساد ،الذى بات واضحاً هذه الأيام، عبر واقع تتجلى أعماله فى اختيارات تبعدنا كل البعد عن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. واقع الاختيار فيه لا يحقق التنوير بل يثبت الاضاءة الغازية،لذا فإن منع الفساد وتعزيز الشفافية وتقوية المؤسسات أمر بالغ الأهمية فى هذه الفترة،
إذا أردنا تحقيق الغايات المتوخاة في أهداف التنمية المستدامة، ووثيقة الدولة خلال السنوات الست القادمة، المحققة لهدف أن نكون من أفضل ٢٠ إقتصاد على مستوى العالم.
وباختصار فإن مكافحة الفساد الإداري ضرورة ملحة في المؤسسات الحكومية لحماية المصلحة العامة وتحقيق التنمية المستدامة.ويجب على الدول والمجتمع العمل سويا لتعزيز الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد الإداري في جميع المستويات. فقد بلغت تكلفة الفساد المقدرة عالمياً بأكثر من 2.6 تريليون دولار (ما يساوي نحو 5٪ من إجمالي الناتج المحلي العالمي)،
مما يعد عقبة رئيسية أمام التنمية، لأنه يحول الموارد بعيدا عن الاستخدامات الأكثر إنتاجية، ويؤثر سلباً على الرخاء المشترك بسبب تحقيق المنافع غير المتناسبة لمن هم في السلطة. وإدراكا من الرئيس عبد الفتاح السيسى للتكاليف المجتمعية والبيئية المرتفعة للفساد،
فقد أعاد التأكيد على التزامه بمكافحة الفساد كأولوية إنمائية، مع السعى إلى تعزيز الشراكات مع أصحاب المصلحة الآخرين الذين يعملون على تحسين الحوكمة والنزاهة ،وفقا للتقارير الدولية التى تؤكد أن تدني دور أجهزة الدولة وغياب المعيارية قد تساعد على تفشي الفساد، حيث إن ما يجري من فساد إداري قد يتبعه بالضرورة الفساد المالي .
وللحديث بقية إن شاء الله .
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام