الدكتور علاء رزق يكتب : إعادة بناء الثقة فى عقد الفرص الضائعة

الدكتور علاء رزق
ينعقد بمشاركه ممثلي 100 حكومة و1000 شركة قطاع خاص ،من جميع أنحاء العالم، إلى جانب المنظمات الدولية الكبرى، ومؤسسات التمويل الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف، فضلا عن ممثلى المجتمع المدني، والخبراء،والشباب، ورواد الأعمال.الإجتماع السنوي الرابع والخمسين للمنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» 2024 ،
والذي يعقد هذا العام تحت شعار «إعادة بناء الثقة». ورغم ما يثار حوله من شكوك، وانتقادات ،فلا يزال المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يمتد لأكثر من نصف قرن، يشكل بوتقة للحوار بين زعماء العالم. ويحتفظ المنتدى بأهميته كونه مساحة للمحادثات وجها لوجه حول التحديات العالمية المشتركة.
ليصبح من الواضح أن نجاح هذا المنتدى يكمن في تعزيز التعاون بين القطاعات، وتجاوز الحدود الجغرافية والأيديولوجية، لذا تنعقد النسخة الحالية من الإجتماعات وسط ظروف اقتصادية وجيوسياسية غير اعتيادية على المستويين الإقليمى والدولي، متزامنة مع الصراع في أوروبا والشرق الأوسط والتوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، لتكون الجغرافيا السياسية موضوعاً رئيسياً آخر للنقاش ، في ظل عالم لا يزال يتعافى من الصدمات الإقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، والأزمة الروسية الأوكرانية،
ومع ارتفاع التفاوت في الدخل إلى حد مذهل بين الشعوب، ففى احدث التقارير الدولية، وهو تقرير عدم المساواة السنوي لمنظمة أوكسفام، فقد تضاعف ثروات أغنى خمسة رجال في العالم منذ عام 2020 فقط، فمنذ عام 2020، ارتفع صافي ثروات الرئيس التنفيذي لشركة Tesla إيلون ماسك، والرئيس التنفيذي لشركة LVMH برنارد أرنو، ومؤسس أمازون جيف بيزوس، والمؤسس المشارك لشركة أوراكل لاري إليسون، والرئيس التنفيذي لشركة “بيركشاير هاثاواي” وارن بافيت بنسبة 114٪ إلى إجمالي قدره 869 مليار دولار بعد أخذ التضخم في الاعتبار.
وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فقد يشهد العالم ظهور أول تريليونير في غضون عقد من الزمن. ولكن وعلى الجانب الآخر من الحياة، فقد أصبح ما يقرب من 5 مليار شخص على مستوى العالم أكثر فقراً، حيث يواجهون التضخم والحرب وأزمة المناخ. وسوف يستغرق الأمر ما يقرب من 230 عاما للقضاء على الفقر استنادا إلى المسار المشئوم الحالي.
مما دعا البنك الدولي الأسبوع الماضي ليؤكد ط أن الاقتصاد العالمي من المرجح أن يتباطأ إلى أسوأ نصف عقد من النمو خلال الثلاثين عاماً الماضية. وأنه بدون تصحيح كبير للمسار، سيكون هذا عقدا من الفرص الضائعة. يتزامن هذا العقد مع عام مع اقتراب العديد من الدول الكبرى من إجراء انتخابات محورية هذا العام (حيث سيذهب نصف سكان العالم إلى صناديق الاقتراع في عام 2024)،
ليشعر قادة هذه الدول والدول الباقية ، بالقلق بشأن الكيفية التي قد تعمل بها هذه الأحداث على إعادة تشكيل التحالفات الدولية والسياسات الاقتصادية.وفى ظل إعلان العلماء في جميع أنحاء العالم هذا الأسبوع ، أن متوسط درجات الحرارة العام الماضي وصل إلى مستوى قياسي جديد. وقد دفع هذا التغيير العالم ليصبح على بعد أجزاء من عتبة المناخ الحرجة. ليؤكد تقرير المخاطر العالمية الأخير ، والصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي،أن تغير المناخ هو أحد أكبر المخاطر التي تواجه العالم ،
وليؤكد وقوع كارثة عالمية خلال العشر سنوات القادمة . ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه، تضع الدورة الحالية من المؤتمر 4 محاور أساسية للنقاش لإحتواء الازمات والمشاكل والتحديات السابقة ،حيث المحور الأول: تعزيز الأمن والتعاون في عالم مجزأ،يميل إلى الصراع المسلح أكثر من جناحه للسلم المرتبط بالتنمية، أما المحور الثاني فيتناول كيفية خلق النمو وفرص العمل،فى ظل صعوبة القضاء على التضخم المصاحبة لزيادات في الأجور في أجزاء كثيرة من العالم.
وتأكيد أن المناخ يؤثر على التضخم الحالى، وأن طرق النقل تتأثر، والجغرافيا السياسية ليست جيدة، لذلك لا تبدو
الأمور جيدة بشكل خاص، خاصة مع وصول عدد سكان العالم لأكثر من ٨ مليار نسمة فى ظل محدودية وتناقص
الموارد . أما المحور الثالث فيتناول ،تشجيع الذكاء الاصطناعي كقوة دافعة للإقتصاد والمجتمع، ومدى قدرة الذكاء
الاصطناعي على تحويل الاقتصادات وآثارها الأخلاقية،خاصة مع وجود دراسات تؤكد انه يمكن أن يتأثر ما يقرب من
40% من الوظائف في جميع أنحاء العالم بصعود الذكاء الاصطناعي،
وهو الإتجاه الذي من المرجح أن يؤدي إلى تعميق عدم المساواة.والدعوات الدولية للحكومات لإنشاء شبكات أمان
اجتماعي وتقديم برامج إعادة تدريب لمواجهة تأثير الذكاء الاصطناعي.
ليكون السؤال العالمى المطروح للنقاش حالياً ،ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى ثورة صناعية أخرى؟
اما المحور الرابع والأخير فيتناول أطر دفع استراتيجية طويلة المدى للمناخ والطبيعة والطاقة.
بإستعراض ما سبق بتبين أن الطموحات المصرية من مناقشة هذه المحاور تستهدف ، تعزيز إطار التعاون الدولي
والتمويل الإنمائي لمصر،كذلك السعى نحو تعظيم دور المنظمات غير الهادفة للربح في دعم العمل المناخي وتحقيق
التكامل بين الحكومة والقطاع الخاص، والأطراف ذات الصلة لدفع التحول الأخضر.
وذلك استناداً على مبادرة «العطاء لتعظيم العمل من أجل الأرض» GAEA، التي أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي
في وقت سابق. كما تسعى مصر نحو تأكيد مبادرات تكافؤ الفرص بين الجنسين، وتعزيز تمويل النظام الصحي في
مواجهة التغيرات المناخية،إلى جانب بناء الثقة في التحول العادل والشامل نحو الطاقة المتجددة، وتعزيز التكامل
الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا،
كما تعمل مصر، من خلال إطار التعاون الدولي والتمويل الإنمائي، على تعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة، مع
شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين والمنظمات الدولية والإقليمية، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع
المدني، لتعزيز جهود الدولة التنموية.
ما نؤكد عليه ان مؤتمر “دافوس” هذا العام ينعقد في أوقات صعبة للغاية، فربما تكون هذه الأوقات هي الأصعب التي
مر بها العالم منذ الحرب العالمية. ورغم أن شعار منتدى دافوس هذا العام هو إعادة بناء الثقة فإن تحقيق ذلك
سيستغرق سنوات عدة ، مع إندلاع حرباً جديدة في منطقة الشرق الأوسط، تظهر عدواناً غاشما ،وعملية تطهير
عرقي ربما لم يشهدهما العالم منذ نكبة 1948.
ومع ظهور تكتلات اقتصادية جديدة مثل بريكس، الذى انضمت إليه مصر،فرغم الأهمية الاقتصادية لهذا التكتل، فإنه
يظل عرضة أيضاً للتأثيرات الناجمة عن التوترات السياسية الحاصلة في العالم.
ما نؤكد عليه أن الحديث عن “إعادة بناء الثقة” عنوان جميل، لكن تحقيقه لن يكون كافياً فى ظل هذه التداعيات
الخطيرة ، وعبر مؤتمر واحد.وهو ما سوف نناقشه فى المقال القادم بإذن الله.
كاتب المقال رئيس المنتدى
الإستراتيجى للتنمية والسلام
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.