عبد الناصر البنا يكتب : إقامة طوعية !!
فى شهر يوليو من العام الماضى كتبت مقالا بعنون ” أهلا بالأشقاء ” تكلمت فيه عن الواقع الصعب الذى يعيش فى المواطن المصرى فى ظل موجات غلاء إكتوى الغنى والفقير بنارها ، وتطرقت للحديث عن مايسمى بالأخوة الأشقاء أو كما يحلو أن نطلق عليهم ” الضيوف ” .. إلخ
هذا الأسبوع كان هناك شىء لافت للنظر ويبدو أن التاجر لما يفلس بيدور فى دفاتره القديمه ، وإن شئت قل ” الرجوع إلى الحق خير من التمادى فى الباطل” ، حيث أفاقت حكومتنا الموقرة وتواترت أخبار مفادها أن مصر تبدأ تدقيق أعداد “اللآجئين” على أرضها لحصر التكاليف ، ولاحظ معى لفظ ” اللآجئين ” لأول مرة يتم تداولة صراحة ، وكأنما كان عيبا علينا أو عورة أن نقول ” لاجئين ” مع أن الأمم المتحدة نفسها هى التى عرفت كلمة Refugee أو لاجىء كونه شخص يستظل بحماية بلد غير بلده ولا يستطيع أو يريد العودة لخوفه من التعرض للإضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية .. إلخ
رئيس الوزراء خلال اجتماعه بعدد من الوزراء شدد على أهمية حصر ومتابعة أعداد اللاجئين الذين تصل أعدادهم وفقا لبعض التقديرات إلى أكثر من تسعة ملايين ، وإلى ضرورة تدقيق هذه الأعداد ، وأيضا متابعة ما تتحمله الدولة من مساهمات وخدمات يحصلون عليها على أفضل وجه مثلهم مثل المصريين في مختلف القطاعات . واستعرض وزراء التربية والتعليم والصحة والتموين والتضامن الاجتماعي جهود الدولة المصرية لتوفير الخدمات التعليمية والصحية والسلع الأساسية للاجئين .. إلخ
الجدير بالذكر أن هناك حوالي ” تسعة ملايين ” مهاجر ولاجئ يعيشون في مصر من نحو 133 دولة ، 50.4 % منهم من الذكور ويمثلون 8.7 % من حجم سكان مصر ؛ وأن 56 % منهم يقيمون في 5 محافظات هي ” القاهرة والجيزة والإسكندرية والدقهلية ودمياط ” ، كما أن 60 % من المهاجرين يعيشون في مصر منذ حوالي 10 سنوات، و 6 % يعيشون باندماج داخل المجتمع المصري منذ نحو 15 عامًا أو أكثر ، بالإضافة إلى أن هناك 37 % منهم يعملون في وظائف ثابتة وشركات مستقرة ،
أود أن أشير إلى أن هذه هى الإحصائيات الرسمية ، الا أن الأعداد مرشحة للزيادة خاصة وأن وزير التنمية المحلية أكد أنه يتم إجراء رصد لتمركزات وأعداد اللاجئين بمختلف المحافظات ، وفرص العمل التي يعملون بها ، وما يتمتعون به من خدمات . ووزارة الداخلية أهابت عبر وسائل الإعلام بكل المتواجدين على أرض مصر بالبدء في اتخاذ إجراءات إثبات ” الإقامة ” الخاصة بهم ، وذلك اعتبارا من أول يناير 2024 .
التصريحات الرسمية تؤكد أنه ” لا تكاليف إضافية على المقيمين والضيوف الكرام ” وكل مافى الأمر لتسهيل التواصل معهم ومعرفة احتياجاتهم . وكأن عملية فرض الرسوم هى من قبيل الفعل الفاضخ لاسمح الله ، أو أن الحكومة الموقرة كانت فى الأصل تستحى من أن تفرض رسوما على مواطنيها ، ووزير المالية يتباهى بإرتفاع حصيلة الضرائب فى موازنة هذا العام .. أى إنفصام هذا ، ودا الشىء الغريب فى الأمر ؛ إذا كان السعودية بجلالة قدرها وفاتورة دخلها اليومى لاتقل عن ” مليار دولار ” من عائدات النفط ، تفرض رسوم تجديد إقامة لمدة سنه لعمال الشركات والمؤسسات والعمالة المنزلية مقدارها 600 ريال والأمر لا يقتصر على السعودية وحدها فهناك رسوما تفرض فى دولة الإمارات والكويت وغيرها ، إلا إذا كنا شايفين نفسنا أغنى من دول هذه الدول !!
تعالوا نفترض جديلا أن هناك 9 مليون لاجىء مقيم على أرض مصر ، وأن كانت هناك إحضائيات غير رسمية على
وسائل التواصل الإجتماعى والـ Social Media تفيد بأن عدد العرب المقيمين على أرض مصر من الجالية ” السورية ــ
العراقية ـ اليمنية ـ السودانية ـ الفلسطينية ” يصل لـ” 16 مليون و 480 ألف” فى بلد تعدى تعداد سكانه الـ 107
مليون نسمه ، ولو تخيلنا أن عدد اللاجئين فى مصر يعادل تقريبا سكان المملكة الأردنية ، أو تعداد دولة الإمارات
العربية ، وتخيل تعداد دول مثل ” الكويت ـ سلطنة عمان ـ قطر ــ البحرين ـ موريتانيا ” لايتعدى سكان كل منها بضعه
ملايين على أصابع اليد الواحدة لتعرف حجم المعاناة التى نعيشها .. علشان نقول ضيوفنا ، مش برضه عندنا مثل
بيقول ” الزيت إللى عاوزه البيت حرام على الجامع ” !!
بشىء من العقل يقول الله تعالى { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا } أى لا تكلف نفسك فوق طاقتها ، والواقع يقول أننا
عايشين على حد الكفاف ، فى أوقات عصيبة ليس على مصر وحدها ، وهناك موجات تضخم تضرب أعتى إقتصاديات
العالم ، رجاء بلاش نفتح صدورنا أزيد من اللازم لإستقبال المزيد من اللاجئين ، نعم نحن لانعتبرهم لاجئين لأنهم
ليسوا بمعزل عن الشعب فى مخيمات إيواء كما تفعل الدول التى تتغنى بحقوق الـ إنسان وهذا واقع ، إنما لهم كافة
الحقوق والواجبات ، ، والدولة لم تتاجر بقضية هؤلاء الأشقاء ، أو تهدد بترحيلهم إلى أوربا كما تفعل تركيا ، أو تطلب
العون والمساعدة من المؤسسات الدولية .
وهنا مربط الفرس .. والسؤال هو لا عيب ولا عار أن تقدم المفوضية السامية لشئون اللاجئين الدعم لمصر من أجل
هؤلاء ؟
لا أحد ينكر أننا إستقبلنا أشقاء من “دولة الكويت ” أثناء محنة غزو صدام للكويت ، كما إستقبلنا أشقاء لنا من ”
العراق ” إبان غزو أمريكا للعراق ، وإستقبلنا من قبلهم إخوتنا من ” دولة فلسطين ” المحتلة . وقدم إلينا أخوه من”
اليمن ” الذين لم ينقطع ترددهم على مصر طلبا للعلاج . ثم حل علينا أخوة من ” سورية ” الشقيقة ، بعد أن مزقت
الحرب أوصالها ، ووجدوا فى مصر الملاذ الآمن لهم ، ومؤخرا قدم إلينا أهالينا من ” السودان ” الشقيق فى وقت يقول
فيه المثل العامى ” أن الشعب يكح أسفلت ” كناية عن شدة الضيق والأزمات الإقتصادية الطاحنة التى يمر بها
الشعب المصرى ،
الحقيقة أن كل وافد من هؤلاء أحدث “خلخله” فى الشارع المصرى سواء بالمزاحمة على فرص العمل أو إرتفاع أسعار
الشقق والسلع والخدمات أو إقتسام لقمة العيش .. إلخ
ولذلك أقولها صراحة ليس عيبا أن تفرض رسوم إقامة على هؤلاء الأشقاء ونحن لا نخترع العجلة ، وليس عيبا أن
نطالب الجهات الدولية المانحة سواء كانت الـ UN ، أو مفوضية اللاجئين أن تمد يد العون والمساعدة لنا على إيواء
هؤلاء الضيوف الذين يقاسمونا لقمة العيش . العيب أن نعيش فى أزمات طاحنة وظروف إقتصادية صعبة ، ونستقبل
المزيد من الضيوف ، لكى ندلل على حسن نوايانا .. حفظ الله مصر وأهله .