عبد الناصر البنا يكتب : أنا .. والأيتام !!
هو ليس عنوانا لـ فيلم تراجيدى ، أو قصة قصيرة يمكن أن تقرأها قبل النوم ، وإنما هى تجربة حياتية أنصح كل ذى عقل أن بعيشها أو يحاول الإقتراب منها ولو مرة واحدة فى حياته ، وأعتقد أنه سوف يخرح منها بالكثير ، وأقلها أنه يحمد الله على ما من به عليه من نعم ﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ .
هل فكرت أن تعيش يوما مع الأطفال الأيتام أو تزور أحد دور رعاية الأيتام ؟
دعونا نتفق بداية على أن هذا واجب إنسانى ، وأعتقد أن كل الديانات السماوية تحس على التراحم بين الناس ، وقد تعلمنا منذ الصغر المودة والرحمة ، وقد حفظنا عن ظهر قلب سورة الضحى وقوله تعالى { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَر } . وأى يتيم هذا الذى تحدث عنه القرآن !!
اليتيم هو الذى توفى أبوه أو أمه أو توفى له الوالدان وهو صغير لم يبلغ الحلم ” أي قبل البلوغ ” ذكرا كان أو أنثى ؛ واليتم فى اللغة هو الإنفراد ، وليس أقسى على الشخص أن يولد يتيما أو يجد اليتم بعد أن يولد أو يجد نفسه فى الدنيا وحيدا ، يمكن أن تكون الحياة قد ألهتنا لمجرد التفكير فى أمر هؤلاء على الرغم من الأحاديث والآيات التى نقرأها ونتدبرها كثيرا .
أحيانا يكون الشخص يتيما على الرغم من وجود أحد والديه أو كلاهما على قيد الحياة ، إما كونهم غير قادرين على الإنفاق عليه أو كونه قد أودع دارا للأيتام لعدم وجود عائل له كون عائله مسجونا يقضى فترة عقوبة .. إلخ
وهذا هو اليتيم ” معلوم النسب ” . أو يكون والديه قد إرتكبا خطأ وترتب على هذا الخطأ حمل سفاح لم يتم إجهاضه ، فما كان منهم إلا أن ألقيا وليدهم فى الشارع بعد ولادتة ، وإنتهى به المقام إلى أحد دور رعاية الأيتام وهؤلاء هم الأطفال ” اللقطاء ” أو مجهولى النسب .
هذه الدور موجودة فى شمال البلاد وجنوبها وشرقها وغربها ، أما الظاهرة نفسها فهى قديمة قدم البشرية ومستمرة
إلى أن يشاء الله ، وهناك عشرات بل مئات القصص التى يمكن أن تكون بيئة خصبة لـ كتاب الدراما للكتابة عنها .
وعموما هناك دورا للأيتام تقيمها الدولة وتشرف عليها وزارة الشئون الإجتماعية ” وزارة التضامن ” وأخرى يقيمها
الأهالى وأهل الخير وهى كثيرة وتخضع أيضا لـ إشراف وزارة التضامن .
على أرض الواقع كلنا ، ولا أستثنى إلا القليل من يغفل عن زيارة هذه الدور ، وقد نكون قد سمعنا أو قرأنا عنها حال
إنتشار فيديو على أحد وسائل التواصل لعنف تعرض له هؤلاء الأطفال من قبل القائمين على بعضا من هذه الدور
فنتفاعل مع الحدث ، ونزعل ، ونتأثر ، ونثرثر كثيرا ، ولكن سرعان ماننسى أو نتناسى وهذه هى سنة الحياة أو ”
نعمة النسيان ” !!
كم مرة فكرنا فى أن نزور دارا للأيتام على الأقل من أجل أن نلقى نظرة عن سير الحياة فى هذه الدور وأسأل من
رزقه الله بنعمة الخلف ، هل تخيلت أو فكرت ولو للحظة عن حال أولادك وهم فى منأى عنك خاصه إن كانوا صغارا فى
عمر الزهور ؟ ، أعتقد (لا) لمجرد التفكير ، فما بالك بحياة هؤلاء ، هل فكرنا أن نتبرع ولو بالقدر اليسير من المال أو
الطعام أو الهدوم التى لانحتاجها من أجل أن ندخل البهجة فى نفوس هؤلاء الأطفال أو لمجرد أن نشعرهم بالأمان ،
وقد من الله علينا بنعم كثيرة لامقطوعة ولا ممنوعة ، وأقلها أننا نعيش فى كنف أسرة ترعانا وتحافظ علينا ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ
رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ .
سعدت مؤخرا بعمل جولة لـ عدد من دور الأيتام ، أخص منها ” دار الفردوس للأيتام المعاقين ” فى شارع مصطفي النحاس بمدينة نصر ، وهى تابعة لجمعية سندس أدعوا الله أن يجزى القائمين على هذه الدار خيرا . وأنا والله لا أعرف
أحدا منهم . دار الفردوس هى واحدة من دور أربعة أقامتها جمعية سندس لرعاية الأيتام المعاقين من مجهولى
النسب ” إثنان منها فى مدينة نصر ، وواحدة فى مصر الجديدة ، وأخرى فى التجمع الخامس ” الدار التى قمت
بزيارتها مؤخرا هى مخصصة للأطفال من ذوى الإعاقة سواء إعاقات ذهنية أو حركية او إعاقات مركبة .. إلخ .
تضم الدار 54 طفلا من عمر سنة إلى خمس سنوات ” 31 ولدا ــ 23 بنت ” تقوم الدار برعايتهم رعاية كاملة ويقوم
بخدمتهم 102 موظف وعامل وإدارى ومشرف وطبيب وإخصائى .. إلخ . الدار تشغل دورين كاملين على كامل مساحة
العقار على شارع مصطفي النحاس الرئيسى بمدينة نصر لاتقل مساحة الدور الواد منها عن ألف متر ، إذا قصدت هذا
الدار وللوهلة الأولى تستحضر المثل القائل ” الجواب يبان من عنوانه ” إبتسامة رضا عند اللقاء من كل القائمين على
أمر الدار ، نظافة المكان ، إتباع كل أساليب ووسائل الرعاية المتكاملة فى مايخص التعامل مع ذوى القدرات كل
حسب إعاقته .
سوف تصحبك مديرة الدار الأستاذة أمل عبدالوهاب وهى فتاة فى أواخر الثلاثينات من عمرها وعدد من المعاونين لها
، فى جولة تفقدية لكل أقسام الدار ، والحقيقة أن الحالات التى تراعاها الدار هى حالات Critical
فى غاية الصعوبة ” وكل حالة منها تحتاج إلى ” كونسلتو” أو تعامل من نوع خاص ، سواء من حيث برامج التأهيل
النفسى والرعاية الطبية ، أو النظافة الشخصية ، وحتى نظام التغذية خاصة وأن كل حالة تحتاج إلى تغذية من نوع
خاص ، وهناك عددا لابأس به من الأطفال تطلبت حالته بعد إيداعه الدار لـ تدخل جراحى أغلبها جراحات دقيقة فى
القلب أو المخ أو إستئصال القولون وأجزاءا من الأمعاء .. إلخ . وهناك حالة لطفل وجد مهشم الجمجمة نتيجة إرتطامه
بجسم صلب نتج عنه خروج المخ خارج الجمجمة المهشمة وقد أجريت له جراحة وفى إنتظار جراحات أخرى تكميلية
” أى قسوة تلك ” ، وهناك حالات تخضع لجلسات تخاطب ولعلاج طبيعى .. إلخ
هذه الدار إن اردت أن تصنفها أو تقيم القائمين عليها لاتملك إلا أن تقول لهم ” جزاكم الله خيرا ” على ماتقدموه من
عمل إنسانى فى المقام الأول ، وأعتقد أنه لايوجد مقابل مادى يمكن أن يكأفىء أجر مايقوم به هؤلاء الذين أشبههم
بخليه نحل تعمل طوال الـ 24 ساعة لا من أجل شىء ، إلا لخدمة هؤلاء الأطفال الذين لاحول لهم ولاقوة ممن تتراوح
أعمارهم مابين يوم : خمس سنوات ، وفى ماجاء عن النبى ﷺ أنه قال “الْخَيْرُ فِيَّ وَفي أُمَّتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ”.
ولاحول ولاقوة إلا بالله !!