إبراهيم نصر يكتب: بناء الوعى.. يبدأ باحترام التخصص
مازلت لا أجد تفسيرا لإصرار بعض مقدمى البرامج على الخوض فى قضايا لا يصح لهم التحدث فيها أو عرضها على العوام لمناقشتها، لمجرد أن نفرا قليلا يعترضون على حكم أو توجيه قرآنى تقره الشريعة وقال به الراسخون فى العلم.
وليعلم الجميع أن دين الله لا تحكمه الأهواء ولن تتحكم فيه فئة باغية مأجورة نعرف توجهاتهم، وسيظل الأزهر الشريف بعلمائه الثقاة حائط الصد الراسخ فى الدفاع عن دين الله.
وليتنا ننتبه جميعا إلى أننا سنكون خير أمة أخرجت للناس – كما يريد الله لنا – حين نحترم التخصص، ويتقن كل منا عمله، ولا يتدخل فى عمل غيره ولا يتكلم فيما لا يعلم، ولن يكون ذلك فى دنيانا هذه إلا بتدخل ولى الأمر، وسن قوانين تجرم الظهور الإعلامي للتحدث فى غير التخصص، ولابد من إعادة الهيبة لعالم الدين والمؤسسة الدينية بما يفوق هيبة المؤسسات الأخرى، إذا كنا جادين فى قضية بناء الوعى، ونسعى بصدق لكسب الدنيا والدين معا.
من أعمدة بناء الوعى الأساسية
إن احترام التخصص يا سادة من أعمدة بناء الوعى الأساسية، ونحن بخير بل كل أمة لا تنهض ولا تتقدم ولا تكون بخير
إلا إذا احترمت التخصص فى شتى المجالات وفى كل مناحى الحياة،
وتأتى على رأس هذه التخصصات علوم الدين المختلفة، التى كانت فيما سبق قد يستوعبها عالم واحد بما فتح الله عليه
من سعة الأفق وقوة الحفظ وشمولية المعرفة، فكنا نجد العالم الواحد على دراية بعلوم القرآن والتفسير والحديث والعقيدة
وربما الطب والفلك، والنماذج كثيرة لا يتسع المقال لذكرها، ومع تقدم الزمن واتساع العلم الواحد وتشعب فروعه صار التخصص دقيقا جدا،
فنجد كل فرع من علوم الشريعة له متخصصون، فنجد متخصصين فى التفسير وآخرين فى الحديث، وفى العقيدة، وفى الفلسفة،
وفى السيرة، وفى النحو والصرف والبلاغة، كما الحال فى علوم الطب والهندسة وبقية العلوم النظرية والتطبيقية،
وذلك ليس فى عالمنا الإسلامى فقط، بل فى العالم كله، فلم يعد هناك العالم الشامل “الكشكول”.
لا بد أن نضع تشريعا عاجلا للتجريم
الشاهد من هذا الكلام أننا إذا كنا جادين فعلا فى بناء وعى الأمة المصرية أو استعادته، فلا بد أن نضع تشريعا عاجلا
لتجريم التحدث فى غير التخصص، لمنع كل من هب ودب من الحديث فيما لا يعلم، ويثير الجدل فى المجتمع، وخاصة ما يتعلق بالقضايا الدينية،
لأن الواقع يؤكد أن علوم الدين هى الأكثر عرضة للتجرؤ عليها دون بقية العلوم، وأى انتحال لصفة طبيب أو مهندس أو ضابط
أو غير ذلك من المهن يجرمه القانون ويعاقب هذا المنتحل، أما عالم الدين فيستطيع أى ساقط ابتدائية أو فاشل فى حياته العلمية أوالعملية
أن ينتحل صفة عالم الدين، ناهيك عن العصابة المتوغلة فى القنوات الفضائية الذين نصبوا أنفسهم مفتين،
بل يهاجمون أحيانا العلماء المتخصصين ويفترون الكذب على الأزهر وشيحه، بل على الإسلام وثوابته ونبى الإسلام وصحابته،
وعلى أمهات المؤمنين، وقد نفق من هؤلاء نفر غير قليل، ولكن بقى لهم أذناب لا يقلون وقاحة ولا وضاعة ولا سفالة عن سابقيهم
ممن أخذهم الله وأراحنا من شرور أفكارهم الساقطة الزائفة القائمة على الكذب والتدليس والمغالطة، وبمجرد رحيلهم
لا يبقى لهم أثر يذكر سوى اللعنات التى لاحقتهم أحياء، وأوزار من تابعهم ودخل فى عباءة فكرهم الأسود المظلم،
مهما ادعوا أنهم تنويريون، وهم فى الحقيقة ظلاميون جهلة، وأجراء يقبضون ثمن ما يروجونه من أكاذيب لا تستند إلى أى منطق
أو منهج علمى صحيح، ويخوضون فى قضايا من المسلمات لدى عامة المسلمين وخاصتهم، ويتطاولون على علماء دين أفذاذ
لهم قدرهم العالى على مستوى العالم، ويحظون بالقبول والاحترام من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.
Ibrahim.nssr@gmail.com