الجانب الآخر لمأساة غزة .. وربما أحد الجوانب النبيلة فيها .. أنها أيقظت شعوباً كثيرة على طبيعة المأساة الفلسطينية باعتبارها مأساة شعب محتل من عصابة من المجرمين والقتلة .. والجانب الأهم في هذه المأساة أنها أيقظت شعوب العالم على حقيقة كانت لا تراها بوضوح .. أو تنساها مع الوقت .. وهي ان حكومات الولايات المتحدة الأمريكية المتعاقبة وحكومات دولة الإحتلال الإسرائيلي هي حكومات راعية للإرهاب والقتل والتدمير لشعوب أخرى دون مبرر إنساني أو أخلاقي .. اللهم إلا الطمع في ثروات الشعوب الضعيفة .. مهما كان حجم الضحايا من البشر ..
ان حجم الفيديوهات المسجلة لأفراد من الشعوب الغربية التي تدين جرائم الإحتلال وجرائم الحكومات الأمريكية ينهال بالألاف على مواقع السوشيال ميديا .. ويتساوى في ذلك ما سجلته الأيام الفائتة من مواقف لبعض المشاهير من اعلام الفلسفة والادب والفن والموسيقي والقانون أو بعض البرلمانيين والوزراء الرسميين في حكومات أوروبية حالية ..مع ما سجلته لنا من مواقف قطاعات ليست صغيرة من اليهود المعادين للصهيونية والمعارضين لمواقف حكومة دولة الإحتلال ..
والأهم في رأيي هو ما شاهدناه من مواقف لكثير من الشباب الأوروبي والغربي بصفة عامة مع القضية الفلسطينية وهو الذي لم يسمع عن المأساة الفلسطينية من قبل , ولم يعش حقبة المأساة الفيتنامية في الستينات .. وربما لا يتذكر المأساة العراقية والمأساة الأفغانية في التسعينات ..
ما أشاهده من فيديوهات تنهال علينا من كل حدب وصوب .. من الشرق والغرب يثبت حقائق كثيرة ..منها
أن مأساة غزة .. ومأساة الفلسطينيين قد فجرت صحوة ضمير كبيرة في الغرب .. صحوة ضمير لا تقتصر على مجرد التعاطف الإنساني من أطفال ونساء ورجال غزة .. لكنها صحوة ضد الأنظمة الغربية الحاكمة ذاتها .. فقد كشفت مأساة غزة لهذه الشعوب عن نفاق وكذب واختلال معايير أنظمتها الحاكمةة في التعامل مع المآسي الإنسانية ..
وكشفت لنا .. ضمن ما كشفت .. إلى أي حد أن فئة الشباب في العالم كله هي الفئة الأنقى في ضميرها الإنساني .. والأكثر بحثاً عن المُثل العليا وقيم العدالة والمساواة ..
وتعليل ذلك أنها الفئة التي لم تدخل بعد في منظومة العمل والمؤسسات الرأسمالية وتتلوث بالقيم الإنتهازية للرأسمالية المتوحشة .. كما أشار إلى ذلك الفيلسوف الأمريكي الراحل هربرت ماركيوز في متابعاته لثورات الشباب في أمريكا وفرنسا وأوروبا في نهاية الستينات ..
ان فئة الشباب هي الفئة المستهدفة من كل حكومات العالم بغرض تطويعها لنمط الحكم ونمط الإنتاج السائد وكسر
تمردها على الزيف والمصالح وانتهازية المؤسسات التنفيذية والتشريعية والتعليمية المدمجة في النظام العالمي
المتوحش المنافق ..
ويبقى الشباب دوما هم الفئة الباحثة عن القيم النبيلة وعن العدالة الإجتماعية وعن المساواة بين البشر بغض النظر
عن اللون والجنس والدين ..
لذلك يتوجب علينا أن نجد وسائل للتواصل مع هذه الفئة في الجامعات والمواقع التي تتواجد فيها .. ومن هنا يأتي
الدور المهم الذي يمكن أن يلعبه الطلاب العرب في كل مكان .. كذلك الدور المهم الذي يمكن أن يلعبه الأكاديميون
والأساتذة العرب في الجامعات الغربية للتواصل مع طلابهم وزملائهم في العمل ..
ذلك أكثر فائدة من كل المنظمات الإعلامية البيروقراطية التي يُصرف عليها المليارات دون فائدة ..