عبد الناصر البنا يكتب : عيش مع الملك توت !!

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
أنا واحد من الناس المهتمة بالتاريخ وبالحضارة المصرية القديمة ، وأنا فخور جدا بأننى أنتمى إلى هذه الحضارة العريقة التى يقف العالم مشدوها أمامها ، وأحيانا عاجزا عن فهم التطور الذى وصلت إليه منذ آلاف السنين الموغلة فى القدم ، وقد يكون هذا هو السبب الذى جعلنا نقول ” أن مصر جاءت ثم جاء من بعدها التاريخ ” ولا أود أن أطيل .
وجميل جدا أن يكون لدينا متاحف تضاهى متاحف ” روما ولندن وباريس .. وغيرها من دول العالم المتقدمة إن لم تكن تفوق عليها بما تحويه من قطع أثرية نادرة وفريدة من نوعها تحوى مختلف عصور الحضارة الفرعونية والتاريخ الإنسانى ، وقل أن تجدها فى أى من الحضارات الأخرى سواء ” حضارة مابين النهرين أو الحضارة الصينية والهندية القديمة ، وكذلك حضارة الإغريق واليونان والرومان .. إلخ ” وأنا لا ابالغ فى ذلك ، ويكفى زيارة واحدة لـ أى من متاحفنا المنتشرة فى ربوع مصر للتدليل على ذلك .
هذا الاسبوع تلقيت دعوة كريمة من إدارة المتحف المصرى الكبير لـ تدشين تجربة فريدة من نوعها ، تقدم لـ زوار المتحف بالشراكة مع مؤسسة ” مدريد آرتيس ديجيتالس ” الإسبانية ، عبارة عن عرض ” تفاعلى ” للتعايش مع عصر الملك توت عنخ آمون ، بعنوان ” عيش مع الملك توت ” ، ذلك الملك الذهبى الذي أبهر سحر مقتنياته العالَم أجمع . التجربة كانت بإستخدام أحدث أجهزة العرض الرقمية التى تستعرض حياة الملك الأسطوري توت عنخ آمون فى رحلة سمعية وبصرية رائعة ، يرجع تاريخها لـ أكثر من 3400 عام في عمق التاريخ . وعزز من روعة التجربة موسيقى تصويرية ساحرة .
تجربة العرض التفاعلى كانت ثرية جدا وفريدة من نوعها فيها الكثير من الإبهار والتشويق والمتعة والإثارة ، خاصة وأنت تتجول عبر ردهات التاريخ ، لـ تستكشف هذا الفرعون الصغير الذى نسجت الأساطير حول حياته والطريقة التى مات بها ، وهذا الكم من المقتنيات التى لم تمتد إليها يد قبل إكتشافها على يد البريطانى ” هيوارد كارتر ” فى حدث إهتز له العالم .
ورغم ثراء التجربة إلا أن هناك بعض الأشياء الصغيرة التى قد تخرجك عن التركيز فى العرض مثل حركة الكاميرا السريعة جدا ” zoom in وأيضا zoom out ” التى قد تصيبك بالدوار ، والإضاءة المبهرة فى بعض مناحى العرض التى قد تخرجك عن مهابة الموقف وجلاله ، و عدم جودة الصورة فى مايتعلق بالجزء الوثائقى التسجيلى المنقول عن إكتشاف المقبرة ، ولكن فى المجمل هذا لايقلل من التجربة كونها ثرية وفريدة وتستحق الإشادة .
الدعوة لم تقتصر على الرحلة السمعية والبصرية الرائعة فى هذا العرض التفاعلى ، وإنما تبعها جولة فى أرجاء المتحف وتحديدا فى الأماكن التى تم الإنتهاء منها ، وأصبحت متاحة للجمهور مثل الدرج العظيم بمراحله وتيماته الأربعة ، الذى يفضى بك إلى الأهرامات بعظمتها ومهابتها ، مرورا بالبهو الذى يحوى العديد من الآثار وفى مقدمتها تمثال الملك رمسيس الثانى الذى إنتهى به المقام هنا منذ عام 2006 بغد أن تم نقله من ميدان رمسيس فى إحتفالية تم بثها على الهواء وتابعها العالم كله .
والحقيقة أن للمتحف الكبير معى أنا شخصيا تاريخ حافل من الذكريات ، وقد تنقلت بين جنباته منذ إفتتاح السيدة الأولى ” سوزان مبارك ” المرحلتين” الأولى والثانية ” له فى مايو 2010 ، ومن قبل هذا التاريخ لم تنقطع صلتى بالمتحف حتى اليوم ، خلال شاشة القناة الفضائية المصرية أو قناة النيل الدولية nile tv international وتحديدا برنامج ” nile crusie ” .
حكاية المتحف الكبير حكاية طويلة بدأت فصولها فى عهد الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك ، أيام الوزير فاروق حسنى وزير الثقافة ، عندما تم التفكير فى إقامة أكبر مشروع ثقافى عالمى تعرض فيه الآثار المصرية المكدسة فى ” بدروم ” المتحف المصرى بميدان التحرير الذى يعتبرالصندوق الأسود للآثار المصرية ، وشاهد على عصر من الفساد إستشرى فى قطاع الآثار لـ فترة من الزمن !! .
فى شهر فبراير للعام 2002 تم وضع حجر الأساس للمتحف على مساحة 117 فدان وخطط له انشاء مبنى للعرض
المتحفى على مساحة 4000 متر مربع لـ يستوعب خمسة ملايين زائر ، ومبنى الخدمات التجارية والترفيهية ومركز
ترميم وحديقة متحفية تزرع فيها الاشجار التى كانت معروفة عند المصرى القديم .. إلخ
تكلفة المتحف وقتها قدرت بحوالى 550 مليون دولار ، شاركت اليابان فيها بمبلغ 300 مليون دولار كقرض ميسر ومبلغ
100 مليون من صندوق تمويل المتاحف والمناطق الأثرية ، ومبلغ 150 مليون كتبرعات ، ولليابان يرجع الفضل فى دعم
مركز الحفظ والترميم الملحق بالمتحف المصرى الكبير مادياً وفنياً ، وبالتعاون مع الجهاز التنفيذى للمتحف المصر الكبير
“GEM”، ووزارة الثقافة . ووقعت وكالة التعاون الدولى الياباني (چايكا) مع وزارة الثقافة المصرية إتفاقية للتعاون فى
إبريل عام ٢٠٠٨ .
العبقرية فى المتحف الكبير لاتتوقف عند التصميم من المكتب الهندسى الـ إيرلندى الذى إختارته اللجنة المكونة من
قامات هندسية كبيرة من بين 1577 تصميما من 83 دولة حول العالم ، نُظمت له أكبر مسابقة في التاريخ لتصميم
متحف يجسد عبقرية الزمان والمكان ، وإنما أيضا فى إختيار موقع المتحف الذى يمثل نقطة التقاء مابين الصحراء
والاراضى الخصبة على مشارف القاهرة حيث يقوم المتحف الجديد على سهل صحراوى بحيث يرى زائره أهرامات
الجيزه ، أحد عجائب الدنيا القديمه ، وأعظم الآثار فى العالم .
نحن والعالم ننتظر الإعلان عن إفتتاح المتحف المصرى الكبير ” هدية مصر للإنسانية ” الذى طال أمد إنتظاره لكن دوما
أقول إن فى التانى السلامة ، جهد مشكور جدا للهيئة الهندسية للقوات المسلحة التى تولت الإشراف على
المشروع منذ ثوره 25 يناير ، وللجايكا اليابانيه ، ولكل الشركات والمؤسسات والمكاتب وبيوت الخبرة المصرية
والعالمية ،
الشكر موصول أيضا لـ شركة ” ليجاسي ” التى قدمت هذا العرض وهى إحدى شركات مجموعة حسن علام القابضة
، والقائمة بتشغيل الخدمات بمجمع المتحف . ولكل إدارة المتحف وأخص المرشدين الشباب والشابة ” ميرا “
الصعيدية إبنة مدينة الأقصر التى صحبتنا فى جولة المعرض ، وكانت واجهة مشرفة للمتحف ولبلدها العزيزة مصر .
ولمن يرغب فى زيارة المعرض ومعايشة التاريخ بإسلوب إبداعى جديد وفريد ، يمكن شراء التذاكر عبر الموقع
الالكتروني للمتحف visit-gem.com/tut ، أو من خلال مكتب التذاكر في المتحف . والمَعْرِض متاح للجمهور لمدة ثلاثة
أشهر ، دمتم سالمين !!
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.